الملخص
-أما زلت تعتقدين بأنه لم يكن هناك شخص خاص في حياتك؟
- لقد قلت لك .. ليس عندي أية فكرة ....ولكني متأكدة من انه لو كان هناك شخص كما تقول لما نسيته بهذه السهولة..
- ربما ....ربما هناك شخص خاص ولكنك تودين نسيانه
....او ربما عليك الاعتراف بعدم وجوده على الأطلاق..
- نعم اظن ذلك
الا ان تلك الفكرة جلبت الحزن الى قلب فينيلا ..
فقد كانت تشعر انها فقدت شيئا هاما .. شيئا كان عزيزاعليها..
أختلست نظرة الى روبرت وألى تفاصيل وجهه وجسمه..
انا آسفة. قالت بصوت منخفض:
-أظن أنك تجدني ميالة الى الحزن خاصة وانه لا يحق لي ذلك فأنا في كامل صحتي وأستطيع الوقوف والحركة بينما انت ....
- يجب الا تقولي هذا قاطعها بشد
الفصل الأول
كانت لعبة لم تكن فينيلا قد شاهدت مثلها من قبل .. نعم هذا ما كانت تعرفه على الأقل .. وهذا ما تستطيع ان تتذكره..
اللاعبون من مختلف النوعيات .. خاصة ذلك الرجل الأسمر ذي العيون الرمادية والذي كان يرميه بنظرات حادة كلما مرت بالقرب منه ركزت على اللعب .. كان ذلك الرجل يلعب بمهارة فائقة انتبهت الى نفسها تحدق فيه
وكأنها تدعوه الى النظر اليها على الرغم من الأضطراب الذي كانت تثيره هذه النظرات في قلبها , هل يعقل انها قابلته من قبل ؟ هل التقيا في يوم من الايام .. هل عرفا بعضهما؟
كيف كانت ستعرف ذلك؟
واذا كانت قد التقته من قبل ....كيف حدث وأن نسيته؟
كيف كان لها ان تنسي تأثير هاتين العينين؟ كيف كان لها ان تنسي سحره ؟
كيف كانت ستنسى ذلك الأنجذاب الذي تشعر به نحوه؟
لا....هذا مستحيل فكل الذكريات يمكن ان تمحى من ذاكرتها الا ذلك الرجل كانت متأكدة من ذلك....
مررت فينيلا يدا مرتجفه فوق جبهتها.. خيل اليها انها تستطيع ان تتذكر.. الا ان الذكريات مازالت بعيده..
متى سينتهي كل هذا؟
متى تستطيع مجابهة العالم مرة اخرى؟
أحكمت قبضتي يديها .. ما هي تلك المشاعر وتلك المخاوف التي كانت تنتابها؟
كانت متأكدة انها تعاني من أزمة صعبه لا تستطيع منها فكاكا..
عادت لمراقبة اللاعبين .. مشاعرها كانت قوية .. لاحقت عيناها الرجل ذي العينين الفضيتين ..
بدأت تشعر بأن المستشفى الذي نقلها اليه الدكتور سام أخذ يتبدل في نظرها .. فهو اكبر من المصحة التي قضت فيه فينيلا الاسابيع القليلة الماضيه .. لاحظت منذ قدومها التنوع الكبير للمرضى .. فمنهم على العجلات والبعض الآخر يمشون بأطراف صناعيه..
شعرت بالخجل عندما نظرت اليهم .. كيف شعرت بالحزن والخيبة وهي القوية السليمه الجسم.. وهي تملك السمع والبصر
والنطق .. بينما كان الاخرون يحاولون مواجهة حياتهم وقد فقدوا أجزاء هامه من اجسادهم..
تجول الدكتور معها في مختلف المناطق المحيطه بالمستشفى .. سارا في الحدائق وشاهدت بعينها المرضى يسيرون بسرعة وهم جلوس على الكراسي المتحركة ..نظرت الى وجوههم ....لم تشاهد اليأس وخيبة الامل .. بل التصميم على مواجهة الحياة الجديده التي فرضت عليهم ....ذلك التصميم الذي لم تحاول حتى التفكير فيه..حاولت التركيز مره أخرى في اللعبة.. تلك اللعبة التي لايمكن القول انها لعبة كرة القدم.. ولكنها تعتمد على نفس القواعد والقوانين فكل اللاعبين يجلسون على كراسي ذي عجلات يحاولون الامساك بالكره وتمريرها الى بعضهم البعض .. كان البعض مقدرا له الجلوس على الكرسي المتحرك مدى طوال حياته..
وجدت فينيلا نفسها تبحث مره اخرى عن الرجل الأسمر .. لابد وأنه سيكون طويلا لو قدر له الوقوف على قدميه .. مر من أمامها محاولا الأمساك بالكره .. نظر اليها بأصرار.. نظره اثارت فيها الأضطراب .. ولكنها لم تبعد عينيها عنه .. رأت في عينيه شيئا أحيا فيها بعض الأهتمام وشيئا من الذكريات..
مالذي حدث له ؟....كيف اتى الى هذا المكان؟
هل تعرض لحادث ما؟ او هل حدث له مكروه اثناء بعض التمارين كتسلق الجبال مثلا او التزحلق على الثلج؟
مهما يكن فليس من العدل ان يصاب ولماذا هو..؟
شعرت بالدموع تحرق مقلتيها .. عضت على شفتيها بقوه..
ماذا هناك فينيلا ؟ سألها الدكتور سام
حركت رأسها نفيا ومسحت دموعها..
- كنت اتساءل فقط ..لماذا تصرفت هكذا طوال الأسابيع الماضيه .. بينما لا اشكو من شئ البته الا من الخوف ..الخوف من مواجهة الحقيقة..
كانت تتكلم بغضب
- هؤلا الناس يواجهون حقيقتهم .. ويتابعون حياتهم.. ولماذا ليس بأستطاعتي ان افعل مثلهم ؟ لماذا لا أستطيع ات اتذكر أي شئ لأرميه وراء ظهري وأتابع حياتي..
- هناك حالات غريبه للعقل فلا تحاولي المواجهة بهذه الطريقه يا فينيلا ولكن هذا لا يعني الا تتابعي حياتك..
فأنا متأكد انك تستطيعين مواجه هذه المحنه .. اليس كذلك؟
- نعم..
عادت لمراقبه الاعبين .. لتفاجأ بالرجل ذي العينين الرماديه متوقفا في فناء الملعب ينظر اليها بأصرار..
- نعم اظن انني استطيع..
عندما عادت الى المصحة توجهت الى غرفتها ووقفت بجانب النافذة تنظر الى الحدائق .. حيث يتمشى المرضى او يجلسوا تحت أشعة الشمس الدافئة.. البعض منهم على وشك مغادرة المصحة والبعض الأخر ينتظر ذلك بفارغ الصبر .. بينما لم يمض على وجود بعضهم يوم او يومان .. تعرفت فينيلا على الكثير منهم وعرفت قصة حياتهم وسبب مرضهم..
ولكن من يعرف شيئا عنها أي شئ؟
لا احد....شعرت بالحزن..
أبتعدت عن النافذة وحاولت التفكير في اشياء أخرى .. اشياء أكثر بهجة على الرغم من انها قليلة ونادرة في حياتها فذكرياتها قليلة ومختصرة وكلها تتركز على حياتها في المستشفى.. بدا لها وكنها قضت عمرها كله في مكان ما لم تعد تستطيع تذكر أي شئ عنه.. بدا لها وكأنها ولدت في هذا المستشفى منذ ستة اسابيع.. نظرت الى وجهها في المرآة رأت عينين رماديتين ووجها متعبا .. جسم رقيق.. عرفت
من الممرضات انها فينيلا سو وعمرها سته وعشرون عاما..
لم يعرف الأطباء في البدايه فقدانها للذاكرة الى ان فتحت عينيها واستعادت وعيها .. كانت قد قضت في المستشفى فترة لا بأس بها الى ان شفيت من الجروح الخارجيه ما ان فتحت عينيها فنظرت حولها حتى انتبهت الى انها مستلقية على فراش ضيق في غرفة بيضاء ذات ستائر ناعمة لم يسمح لها في البداية بمغادرة الفراش فيما بعد بدأت الممرضة بطرح بعض الأسئلة عليها .. وسألتها هي بدورها:
- أين انا؟
كان هذا السؤال الطبيعي بالنسبة للمرضة .. تسمعه كثيرا من المرضى عندما يستعيدون وعيهم .. لم تجبها بسرعة وأنما تابعت أخذ درجة الحرارة ....اقتربت منها وابتسمت لها بعد ذلك قائلة
- في المستشفى .. كيف تشعرين الآن ؟
نظرت اليها فينيلا لم تستطع ان تفهم أي شئ تحركت قليلا وقالت..
- أظن انني بخير .. ولكن لماذا انا في المستشفى؟ ترددت الممرضة قليلا:
- لقد تعرضت لحادث.. هل تريدين كوبا من الشراب؟
لا تحاولي الكلام فهذا يضر بك ....ستأتي رئيسة الممرضات في الحال وتجيب على كل تساؤلاتك..
ولكن تلك الرئيسة لم تجب على ايه تساؤلات .. كان لدي فينيلا الأحساس بأنها فقدت وعيها منذ وقت طويل .. ولكن كم من الوقت ؟ ساعة ....يوما....أسبوعا لا ....لم يستطع أحد ان يخبرها..
عندما اتى الطبيب لزيارتها في اليوم التالي جلست بجانب سريرها مقربا كرسيه اليها.. من الواضح انه سيجري معها حديثا مطولا .. كانت فينيلا قد استردت الكثير من قواها ولكنها كانت مشوشة ومضطربة فخلال اليومين الماضيين رأت الكثير من القلق على وجوه الممرضات على الرغم من محاولتهن الفاشلة في اخفاء ذلك..
- لا أستطيع تذكر أي شئ....من انا؟
بادرته فينيلا بتلك الكلمات وقد بدأ القلق والأضطراب عليها تابعت:
- لا استطيع ان اتذكر أي شئ عن نفسي .. اشعر وكأنني قد هبطت الى الأرض في هذه اللحظة .. استطيع ان اتكلم وان افكر وأعرف ما علي فعله ولكن لا شئ آخر أشعر وكأنني قد ولدت لتوي!!!
حدق الطبيب فيها لفترة وضع يده على ذراعها .. كانت ترتعش من الأنفعال مثل العصفور الصغير الذي وقع في براثن القط .. نظرت اليه محاولة فهم الحقيقة .. محاولة التقاط أي بارقة أمل في عينيه .. ولكنها لم تجد الا التعاطف وهذا ما اخافها اكثر..
- ماالذي حدث لي؟ لماذا لا استطيع التذكر؟....من انا..؟
أشار الى الممرضة بترك الغرفة أحتضن يدها بكلتا يديه أحست بالدفء يغمرها .. كان يحاول امدادها بالقوة .. بالقوة لمواجهة الآلام الكامنه في اعماق عقلها.. ولكنها لم تكن تريد ذلك .. لم تكن بحاجة في الوقت الحاضر الا معرفة أسمها ومن هي وما هي حياتها..
-قولي ....مالذي تتذكرينه سألها..
- لا شئ....انالا اعرف أي شئ ....لقد قلت لك اشعر وكأن حياتي قد بدأت فوق هذا السرير .. تصور انني لا اعرف اسمي او عمري..
- بالتأكيد....الممرضات....؟
-آه..نعم أخبروني عدة اشياءنعم....اسمي فينيلا سو عمري ستة وعشرون عاما.. عيد ميلادي يصادف في
شهر آيار ولكن هذا كل شئ .. بالأضافة الى انني غير متأكدة من أي شئ فبأستطاعتهم ان يخبرونني انني الملكة فيكتوريا او ميريل ستريب ولن اعرف الفرق..
- ولكنك تعلمين انك لست أيمنهما..
نظرت اليه والتقت عيناها بعينيه .. حدقت فيه لفترة بعد ذلك شعرت بالهدؤيعود اليها..
- نعم اعرف ذلك .. أخبروني انني لست اولئك ولكن كيف اعرف انني فينيلا ومن هي فينيلا تلك..
- ولكن ما يحدث لك ليس حدثا غير عادي .. فعندما جئت الينا كان هناك جرح بليغ في رأسك.. فقد كنت في وضع صعب لهذا ووفقا لتلك الظروف كان من الصعب عليك معرفة اية تفاصيل عن حياتك .... وعلى كل حال وكما ارى فأن ذاكرتك لم تتأذى الى حد كبير فأنت تعرفين الملكة فيكتوريا وميريل ستريب..
- شكرا لك....وهل هذا ما تظنه كافيا لمتابعة حياتي..
- انا آسف..انا لم اقصد هذا..أعرف ان الوضع صعب ولكني متأكد انك ستتحسنين..
- هل هذا صحيح؟
بدا الألم على وجهها..
- بالتأكيد ....فكثيرا من الحالات المشابهه كحالتك يستعيد المريض فيها ذاكرته ولكن هذا يحتاج الى وقت..
- وقت....وماذا تعني بالوقت؟ بضعة ايام؟ سنه؟ اكثر من ذلك؟
حدقت فيه بعيون واسعه ووجه شاحب تابعت قائلة:
- وهل سأتذكر كل شئ..كل شئ؟
أعادت كلماتها الأخيرة همسا..
نظر اليها الطبيب وقد لاحظ مدى ارتباكها وارتجافها اخيرا قال:
هذا يعتمد على سبب فقدانك الذاكرة....من المحتمل ان السبب لا يمت بصلة الى الجروح التي وجدناها عليك .. الا يحتمل انك لا تريدين التذكر..
ولكن كيف يمكن هذا .. فأنا اريد ان اعرف من انا ؟
ابتسم قائلا:
- العقل .. جزء معقد من جسم الأنسان .. وهو لا يقوم دائما بتنقية الأفكار.. فأذا حدث وان حصلت بعض الأشياء غير المستحبة يفضل العقل نسيانها بشتى الطرق وفي هذه الحالة يقوم بنسيان أشياء أخرى عاديه حصلت قبل ذلك..فينيلا افضل ما تقومين به الآن هو اخذ بعض الراحة .. حاولي الا تقلقي فأنت لا
تستطيعين استحضار الأفكار ولا الذكريات فهي ستأتي من تلقاء نفسها وبالتدريج ..
- ومن المحتمل الا تأتي على الأطلاق ..
رأت في عينيه الأجابة.. استدار وخرج من الغرفة ..
انتبهت عندها انه لم يخبرها عن اسمه..
من المحتمل انه قدر وضعها فهي لا تعرف أي شئ عن نفسها ولا حتى اسمها ومازالت كذلك....كانت ماتزال تنظر من نافذة غرفتها الى الحديقة وتحدق في المرضى الموجودين هنا وهناك .. عادت الى افكارها....
لقد قيل لها بعض الأشياء عن حياتها.. هل كان من الأفضل ان ترمي بماضيها وراء ظهرها وتنسى كل شئ؟
ولكن هذا ما لاتستطيع عمله او القيام به فيوم ما لابد لها من ان تتذكر ولو اشياء صغيرة ستساعدها بالتأكيد على ازاحة الظلمة من عقلها..
استعادت المعلومات التي اصبحت لديه الآن عن نفسها على أصابعها أسمها فينيلا سو عمرها سته وعشرون عاما تعيش في شقة تقع في شمال لندن .. اشترته منذ ثلاثة اشهر مضت تعمل كسكرتيرة لأصدقاء لها وليس لها من معارف يعلمون عنها اكثر من ذلك..
لم يكن هناك اية معلومات عن المكان الذي قدمت منه قبل شرائها لشقة لندن..
اذا استطاعت ان تعلم مالذي حدث لها كيف تعرضت للحادث.... هل هذا سيساعدها على التذكر؟
كان الدكتور سام والذي اعتاد ان تناديه ينظر اليها بصبر كبير .. نصحها بألا تفكر كثيرا ولا تركز على اتجاه واحد لأنه اذا لم يكن العقل مستعدا لهذا الضغط وهذا التركيز فسيأتي بالنتيجة العكسية..
- ان هذا الأمر بأمكانه ان يكون مريحا لك..فأنت لست الشخص الذي يشعر انه لا ماض له.. ولايمكنك ان تتصور الوضع الذي اعاني منه..
كان صوت فينيلا ضعيفا وهي تحدثه بينما انهارت دموعها ..
-ربما ولكني كنت سأحاول .. فأنت لاتريدينني ان اخبرك عما حدث لك ..اليس كذلك؟
انتظر قليلا لكي تستجمع نفسها وتفكر بما قاله لها.. رأي الخوف والقلق على وجهها..
-ارأيت ؟ لاتزيدي الأمر صعوبة .. أتركي الأمور تسير
ببطء
- ولكن لنفرض انني لم اتذكر أي شئ؟
كانت تصرخ من الألم واليأس .. امسك الطبيب يدها مرة اخرى محاولا مدها بالقوة والثقة بالنفس..
- اعتقد انه يجب التفكير في هذا ايضا .. ولكن ليس أمامك الآن الا ان تبدأي حياتك من جديد وليس هناك من طريق آخر..
ولكن اؤكد لك ان ذلك لن يدوم طويلا..فيوم ما ستتذكرين كل شئ وذلك عندما يصبح عقلك قادرا على استيعاب....
- استيعاب ماذا ؟
حدقت فيه متآملة في أجابته.. الا انه مكث صامتا .. بعد قليل أجابت على السؤال بنفسها ولنفسها..
قادرة على استيعاب ماحدث لي .. هذا ماتقصده اليس كذلك؟
ولكنها تعرف انها ليست قوية بالشكل الكافي لمواجهة تلك الحقيقة ولن تكون ابدا .. على الأقل في الوقت الحاضر..
اما الآن فأنها ستبدأ في عمر السادسة والعشرين .. بدون أهل بدون اصدقاء .. بدون ذكريات وبدون ماض .. ابتعدت فينيلا عن النافذة .. فالناس الذين كانت تراقبهم بدوا لها وكأنهم يقضون عطلة ما.. فهم يتحسنون وينتظرون اللحظة التي سيخرجون فيها
من هذ المكان ليتابعوا حياتهم.. قاومت بشدة الشعور بالرثاء على نفسها فلم تكن لتسمح لهذا الشعور باجتياح حياتها والسيطرة على كيانها .. عادت للتفكير في حياتها والطريقة التي كانت تعيشها طبعا لتفكر بما قالوه عنها وما اخبروها به..
لابد ان هناك شيئا ما سيساعدني على التذكر؟
اخبروها انها ترعرت في قرية صغيرة تدعى سوفولك انتقل والدها في تلك القرية عندما اصبح عمرها ثمانية عشر عاما وبعد ان اتمت المرحلة الثانوية ....عملت كموظفة الى ان قتل والدها في حادث سيارة في كندا..
مالذي فعلته فينيلا بعد ذلك....هذا ما لم يخبرها عنه احد كان من الصعوبة ايجاد أصدقاء لها .. فقد ظهر أنها لم يكن لديها أصدقاء محددون ..
- في الحقيقة لايبدو أنني تركت أي اثر في حياة أي أنسان ويمكن ان اكون مرشحه الوحيده للزوال بدون أي اثر ..
- لا تقولي ذلك..فأنت شابة جذابة فينيلا .. المشكله أنك أنتقلت الى لندن منذ فترة وجيزة .. من المؤكد أنك
عملت في اماكن كثيرة فكما علمنا من الوكالة التي كنت تعملين فيها انك من اكفأ الموظفات
توقف قليلا وتابع: أظن ان من الأفضل ان تتركي هذه التساؤلات جانبا وكما قلت لك قبلا .. دعي الأمور تسير بطريقة طبيعية انها الطريقة المثلى..
- ولكن....ينقصني بعض الأصدقاء..أني اتساءل لم لا يسأل عني أحد؟ لم لا يأتي أحد الى شقتي للسؤال عني مثلا؟ هل يعقل الا يكون عنواني بحوزة أحد؟
-من المحتمل ان تكون تلك رغبتك ..فينيلا ....أن تقطعي علاقتك بالماضي .. قاطعته بشدة قائلة:
- ارغب في ذلك؟هل هذا ممكن؟واذا كان كذلك ....لماذا؟
كانت تلك احاديثها مع الطبيب .. فقد اعتادت ان تجلس
اليه وتحدثه .. ماهو السر الذي يكتنف حياتها .. ماالذي يدفعها الى قطع كل صلتها بالماضي ؟ لاحظت ان ذلك السر له دور كبير في فقدانها لذاكرتها حتى انها تود ان تخفيه عن نفسها..
هل هو شئ فعلته.. او هو شئ فعله أحدهم معها؟
شعرت مرة اخرى انها ترتعد من الخوف والقلق..
تذكرت كلمات الطبيب .. صحيح..لم لا تترك كل شئ للزمن عليها الا تسأل نفسها مثل تلك الأسئلة..
عليها ان تترك الماضي وتنظر الى المستقبل..لوحدها..
كانت على وشك ترك المستشفى .. فجروحها قد شفيت وما زالت تحاول البحث داخله عن أية ذكرى.. أتاها الطبيب وطلب منها الخروج ومرافقته لزيارة مريض في مستشفى آخر.. سألته في قلق:
- وهل تعتقد أنني سأرى شيئا يعيد لي ذاكرتي.... أنا لست متأكدة....
- لا تبدأي بالقلق مرة أخرى..فأنا لا أدري مالذي يمكن ان يحدث .. فلا تفكري في ذلك كثيرا .. اعتبري خروجنا من المستشفى عبارة عن نزهة....اتفقنا؟ فأنا اود ان أقابل أحدهم هناك .. ولكن لادخل لك بالموضوع.. ماعليك الا ان تتمتعي بالمشوار وبالغداء .. فأنا اود ان اطمئن عليه وأرى كيف تواجهين العالم الخارجي..
نظرت اليه في شك الا ان نظراته كانت مطمئنة..
- حسنا ....هذا اذا كنت متأكد انه لن يحدث أي شئ..
- انا متأكد..
ولكنها لم تكن متأكدة .. شعرت ان هناك شيئا ما سيحدث ولكنها لم تقل له شيئا فقد وضعت ثقتها فيه منذ اللحظة الأولى منذ ذلك الصباح الذي اتى فيه اليها وجلس قربها ممسكا يدها وهي الآن تثق فيه ايضا الآن....وهي تحدق من خلال النافذة تذكرت مباراة الكرة وشعرت مرة اخرى ان ل هدفا آخر من وراء طلبه في اصطحابها تذكرت مرة اخرى ذلك الرجل المقعد ذي الشعر الأسود والذي سيطر بحضوره على الملعب كله.. ذلك الرجل المقعد ذو الجسم القوي الكامل الحيوية والذي بدا لها انه من الصعب متابعة حياته على ذلك الكرسي المتحرك..
لابد وأن تلك الزيارة ستكون ذات شأن بالنسبة لها.. كانت متأكدة من ذلك.. ولابد وانها ستؤثر على حياتها في المستقبل..
في اليوم التالي أخبرها عن العمل كان ذلك اثناء جلوسها في غرفة المكتب في ذلك المستشفى الذي تتعالج فيه .. لذلك اخذ حديثها الطابع الرسمي والعملي.. عكس ما اعتادت عليه اثناء جلوسها معه فخلال الأسابيع القليلة الماضية كانت قد تولدت بينها وبين الطبيب صداقة فقد تكررت لقاءتها وأخذت طابع الصداقة وليس طابع العمل العلاجي..
جلست أمامه وواجهته .. شعرت انه مايزال هناك الجانب الرسمي في علاقتهما..
وشعرت من خلال حديثه انه يتوق الى الأخذ بنصيحته في ترك المستشفى وذلك ليرتاح من مشكلتها..
- عمل؟ ....ولكني لا ادري ما الذي يمكنني عمله..
- انت سكرتيرة جيدة نحن نعرف ذلك كما انه لديك الخبرة في اعمال المكتبات وبذلك ستكونين المساعدة في الأبحاث وفي الكثير من الأشياء بدأت فينيلا تهتم بالموضوع .. سكرتيرة وأبحاث نعم ..ولما لا..
- وهل هذا ماتعرضه علي من عمل ؟ هل تفكر في الاتفاق مع الوكالة التي كنت اعمل بها؟
- في الحقيقة ليس هناك شئ من هذا.. لقد عرفت وبالصدفة من المريض الذي أعالجه – وهو في نفس الوقت صديق قديم لي – انه على وشك مغادرة المستشفى ولكن لسوء الحظ لم يشف تماما فهو غير قادر على السير ..آسف بالطبع انت تفهمين..
كان يتحدث بسرعة وكأنه يود ان يخفي شيئا ما نظرت فينيلا اليه بفضول وشك .. وفكرت ان هناك شيئا يخفيه عنها لذا لا يستطيع مواجهة عينيها تابع قائلا..
- على كل حال .. هذا الرجل مؤرخ..يكتب في تاريخ اوروبا ويحتاج الى شخص اذا صح التعبير يقوم مقام رجليه ويتضمن ذلك السكن معه فهو يعيش في منزل جميل في الواقع انا ارى ان هذا العمل قد خصص لك .. فهو يتيح لك الرجوع الى الحياة بعيدا عن مشاكل الوظائف ومضايقاتها بالنسبة لك ولوضعك.. توقف لبرهة ونظر اليها .. حسنا يمكنك التفكير في هذا العرض.. لست في حاجة لسماع ردك الآن خذي وقتك بالتفكير..
حدقت فيه فينيلا لبرهة .. فكما هو ظاهر يعتبر هذا العرض أفضل الحلول لمشكلتها ولكنها كانت متأكدة ان هناك خفايا لم تعرفها بعد ..
عادت وسألته مرة اخرى:
- صديقك هذا الذي تتحدث عنه هل تتم معالجته في ذلك المستشفى الذي ذهبنا اليه البارحة؟
- حسنا....نعم....بالفعل انه كذلك....
بداعليه الارتباك وعدم الارتياح ..
- هل تعرف ..أراك شفافا لقد أخذتني الى هناك لكي يلقي علي نظرة ويشاهدني اليس كذلك؟ وهكذا يقرر فيما اذا كان سيوافق على انتقالي للعيش معه والقيام بالعمل اللازم ؟ الا تظن انه بحاجة الى انسان آخر يضع فيه ثقته؟شخص يضمن ان يعود الى البيت اذا ما خرج الى مكان ما ( قررت مرة اخرى)
انت شفاف جدا دكتور واني ارى اشياء اخرى لم تحدثني عنها ..
- حسنا..أعترف انني خططت لكلهذا ..ولكني متأكد انه بحاجة الى شخص ما وانا اعرفك انت واعرف انك ملائمة لهذا العمل....اذن لم لا أساعدكما ؟ اما اذا لم تكن لديك الرغبة في هذا العمل .. فما عليك الاان تقولي ..
- وكيف لي ان اعرف انني لا ارغب ؟ فأنا بحاجة الى مقابلة ذلك الرجل قبل ان اقرر .. بالتأكيد يمكنك ان تدبر لهذا اللقاء ؟ شعر بالراحة..
- بالتأكيد ..فينيلا بأمكانك مقابلته في أي وقت تشائين الآن اذا اردت..
الآن ؟ ....هل تقصد انه هو؟
- بالفعل ....طلب مني القدوم الى هنا لمقابلتك ولكني طلبت منه بعض الوقت لأضعك بالصورة .. لقد رفض في البداية لأنه اذا فكرت بالموضوع فلا بد وانك سترفضين عرضه .. انه في الخارج وبأمكانك رؤيته الآن اذا رغبت في ذلك..
حدقت فيه لبرهة نهضت وعبرت الغرفة لتنظر من النافذة استقرت عيناها على الكرسي المتحرك .. كان الرجل ينظرالى الحقول المترامية بالقرب من المستشفى .. ظهره لها لذا لم تستطع رؤية وجهة ..ولكنها عرفته.. نعم عرفته وبدون ان تنظر الى وجهة عرفته من شعره الأسود وجسمه القوي لابد وأن عينيه رماديتين وفمه قوي.. شعرت برعشة تجتاح جسمها تذكرت أحساسها لدىرؤيتها له في الملعب البارحة..
نسيت وجود .. فتحت الباب وخرجت الى الشرفة حيث الرجل سارت عبر الشرفة الى ان أصبحت بجانبه .. شعر بها لدى اقترابها منه استدار اليها وواجهها ..
توقفت فينيلا والتقت عيونهما حدقا في بعضهما لفترة..
" لا....هذا الرجل لم يعتد المرض ابدا"
هكذا فكرت فينيلا بينما عيناه تنشران موجات مغناطيسيه حولها وتأسرانها .. شعرت بالخوف لو كانت حكيمة لاستدارت على عقبيها وابتعدت عن ذلك المكان وعن ذلك الرجل
تنهدت واقتربت منه الا ان الكلمات لم تخرج من شفتيها ..
انا روبرت ميلبورن
بادرها الرجل كانت في كلماته نبرة لم تستطع فهمها تابع قائلا:
فهمت من انه اخبرك عن الوظيفة التي اعرضها عليك هل..هل فكرت فيها؟
ترددت فينيلا في الأجابه كانت تنظر اليه .. تساءلت كيف لمثل هذا الجسم ان يفقد القدرة على الحركة .. بينما تراه بكامل صحته وقوته..
- على الأقل (تابع) يمكن ان تحاولي..
كان هناك شئ ما حرك مشاعرها .. شئ ما في صوته اثر على عقلها.. شئ جاء كاالبرق ومن ثم اختفى ..أحست في صوته بالألفة .. وكأنها عرفت هذا الرجل من قبل .. ولكن كيف.. هذا مستحيل .. انه ينظر اليها الآن بدون اية مشاعر وبعيون باردة .. هل يمكن لهذه العيون الباردة ان تخفي شيئا..
بللت فينيلا شفتيها الجافتين بلسانها .. كان قلبها مايزال يخفق بشدة .. وضعت يدها على خدها كانت اصابعها ترتجف .. ارادت ان تقول "لا" ولكنها قالت ..
- نعم..سآتي اليك في اقرب وقت..
فكرت انه مهما كان الخطر عظيما بالقرب منه فهذا امر لابد لها من مواجهته
-أما زلت تعتقدين بأنه لم يكن هناك شخص خاص في حياتك؟
- لقد قلت لك .. ليس عندي أية فكرة ....ولكني متأكدة من انه لو كان هناك شخص كما تقول لما نسيته بهذه السهولة..
- ربما ....ربما هناك شخص خاص ولكنك تودين نسيانه
....او ربما عليك الاعتراف بعدم وجوده على الأطلاق..
- نعم اظن ذلك
الا ان تلك الفكرة جلبت الحزن الى قلب فينيلا ..
فقد كانت تشعر انها فقدت شيئا هاما .. شيئا كان عزيزاعليها..
أختلست نظرة الى روبرت وألى تفاصيل وجهه وجسمه..
انا آسفة. قالت بصوت منخفض:
-أظن أنك تجدني ميالة الى الحزن خاصة وانه لا يحق لي ذلك فأنا في كامل صحتي وأستطيع الوقوف والحركة بينما انت ....
- يجب الا تقولي هذا قاطعها بشد
الفصل الأول
كانت لعبة لم تكن فينيلا قد شاهدت مثلها من قبل .. نعم هذا ما كانت تعرفه على الأقل .. وهذا ما تستطيع ان تتذكره..
اللاعبون من مختلف النوعيات .. خاصة ذلك الرجل الأسمر ذي العيون الرمادية والذي كان يرميه بنظرات حادة كلما مرت بالقرب منه ركزت على اللعب .. كان ذلك الرجل يلعب بمهارة فائقة انتبهت الى نفسها تحدق فيه
وكأنها تدعوه الى النظر اليها على الرغم من الأضطراب الذي كانت تثيره هذه النظرات في قلبها , هل يعقل انها قابلته من قبل ؟ هل التقيا في يوم من الايام .. هل عرفا بعضهما؟
كيف كانت ستعرف ذلك؟
واذا كانت قد التقته من قبل ....كيف حدث وأن نسيته؟
كيف كان لها ان تنسي تأثير هاتين العينين؟ كيف كان لها ان تنسي سحره ؟
كيف كانت ستنسى ذلك الأنجذاب الذي تشعر به نحوه؟
لا....هذا مستحيل فكل الذكريات يمكن ان تمحى من ذاكرتها الا ذلك الرجل كانت متأكدة من ذلك....
مررت فينيلا يدا مرتجفه فوق جبهتها.. خيل اليها انها تستطيع ان تتذكر.. الا ان الذكريات مازالت بعيده..
متى سينتهي كل هذا؟
متى تستطيع مجابهة العالم مرة اخرى؟
أحكمت قبضتي يديها .. ما هي تلك المشاعر وتلك المخاوف التي كانت تنتابها؟
كانت متأكدة انها تعاني من أزمة صعبه لا تستطيع منها فكاكا..
عادت لمراقبة اللاعبين .. مشاعرها كانت قوية .. لاحقت عيناها الرجل ذي العينين الفضيتين ..
بدأت تشعر بأن المستشفى الذي نقلها اليه الدكتور سام أخذ يتبدل في نظرها .. فهو اكبر من المصحة التي قضت فيه فينيلا الاسابيع القليلة الماضيه .. لاحظت منذ قدومها التنوع الكبير للمرضى .. فمنهم على العجلات والبعض الآخر يمشون بأطراف صناعيه..
شعرت بالخجل عندما نظرت اليهم .. كيف شعرت بالحزن والخيبة وهي القوية السليمه الجسم.. وهي تملك السمع والبصر
والنطق .. بينما كان الاخرون يحاولون مواجهة حياتهم وقد فقدوا أجزاء هامه من اجسادهم..
تجول الدكتور معها في مختلف المناطق المحيطه بالمستشفى .. سارا في الحدائق وشاهدت بعينها المرضى يسيرون بسرعة وهم جلوس على الكراسي المتحركة ..نظرت الى وجوههم ....لم تشاهد اليأس وخيبة الامل .. بل التصميم على مواجهة الحياة الجديده التي فرضت عليهم ....ذلك التصميم الذي لم تحاول حتى التفكير فيه..حاولت التركيز مره أخرى في اللعبة.. تلك اللعبة التي لايمكن القول انها لعبة كرة القدم.. ولكنها تعتمد على نفس القواعد والقوانين فكل اللاعبين يجلسون على كراسي ذي عجلات يحاولون الامساك بالكره وتمريرها الى بعضهم البعض .. كان البعض مقدرا له الجلوس على الكرسي المتحرك مدى طوال حياته..
وجدت فينيلا نفسها تبحث مره اخرى عن الرجل الأسمر .. لابد وأنه سيكون طويلا لو قدر له الوقوف على قدميه .. مر من أمامها محاولا الأمساك بالكره .. نظر اليها بأصرار.. نظره اثارت فيها الأضطراب .. ولكنها لم تبعد عينيها عنه .. رأت في عينيه شيئا أحيا فيها بعض الأهتمام وشيئا من الذكريات..
مالذي حدث له ؟....كيف اتى الى هذا المكان؟
هل تعرض لحادث ما؟ او هل حدث له مكروه اثناء بعض التمارين كتسلق الجبال مثلا او التزحلق على الثلج؟
مهما يكن فليس من العدل ان يصاب ولماذا هو..؟
شعرت بالدموع تحرق مقلتيها .. عضت على شفتيها بقوه..
ماذا هناك فينيلا ؟ سألها الدكتور سام
حركت رأسها نفيا ومسحت دموعها..
- كنت اتساءل فقط ..لماذا تصرفت هكذا طوال الأسابيع الماضيه .. بينما لا اشكو من شئ البته الا من الخوف ..الخوف من مواجهة الحقيقة..
كانت تتكلم بغضب
- هؤلا الناس يواجهون حقيقتهم .. ويتابعون حياتهم.. ولماذا ليس بأستطاعتي ان افعل مثلهم ؟ لماذا لا أستطيع ات اتذكر أي شئ لأرميه وراء ظهري وأتابع حياتي..
- هناك حالات غريبه للعقل فلا تحاولي المواجهة بهذه الطريقه يا فينيلا ولكن هذا لا يعني الا تتابعي حياتك..
فأنا متأكد انك تستطيعين مواجه هذه المحنه .. اليس كذلك؟
- نعم..
عادت لمراقبه الاعبين .. لتفاجأ بالرجل ذي العينين الرماديه متوقفا في فناء الملعب ينظر اليها بأصرار..
- نعم اظن انني استطيع..
عندما عادت الى المصحة توجهت الى غرفتها ووقفت بجانب النافذة تنظر الى الحدائق .. حيث يتمشى المرضى او يجلسوا تحت أشعة الشمس الدافئة.. البعض منهم على وشك مغادرة المصحة والبعض الأخر ينتظر ذلك بفارغ الصبر .. بينما لم يمض على وجود بعضهم يوم او يومان .. تعرفت فينيلا على الكثير منهم وعرفت قصة حياتهم وسبب مرضهم..
ولكن من يعرف شيئا عنها أي شئ؟
لا احد....شعرت بالحزن..
أبتعدت عن النافذة وحاولت التفكير في اشياء أخرى .. اشياء أكثر بهجة على الرغم من انها قليلة ونادرة في حياتها فذكرياتها قليلة ومختصرة وكلها تتركز على حياتها في المستشفى.. بدا لها وكنها قضت عمرها كله في مكان ما لم تعد تستطيع تذكر أي شئ عنه.. بدا لها وكأنها ولدت في هذا المستشفى منذ ستة اسابيع.. نظرت الى وجهها في المرآة رأت عينين رماديتين ووجها متعبا .. جسم رقيق.. عرفت
من الممرضات انها فينيلا سو وعمرها سته وعشرون عاما..
لم يعرف الأطباء في البدايه فقدانها للذاكرة الى ان فتحت عينيها واستعادت وعيها .. كانت قد قضت في المستشفى فترة لا بأس بها الى ان شفيت من الجروح الخارجيه ما ان فتحت عينيها فنظرت حولها حتى انتبهت الى انها مستلقية على فراش ضيق في غرفة بيضاء ذات ستائر ناعمة لم يسمح لها في البداية بمغادرة الفراش فيما بعد بدأت الممرضة بطرح بعض الأسئلة عليها .. وسألتها هي بدورها:
- أين انا؟
كان هذا السؤال الطبيعي بالنسبة للمرضة .. تسمعه كثيرا من المرضى عندما يستعيدون وعيهم .. لم تجبها بسرعة وأنما تابعت أخذ درجة الحرارة ....اقتربت منها وابتسمت لها بعد ذلك قائلة
- في المستشفى .. كيف تشعرين الآن ؟
نظرت اليها فينيلا لم تستطع ان تفهم أي شئ تحركت قليلا وقالت..
- أظن انني بخير .. ولكن لماذا انا في المستشفى؟ ترددت الممرضة قليلا:
- لقد تعرضت لحادث.. هل تريدين كوبا من الشراب؟
لا تحاولي الكلام فهذا يضر بك ....ستأتي رئيسة الممرضات في الحال وتجيب على كل تساؤلاتك..
ولكن تلك الرئيسة لم تجب على ايه تساؤلات .. كان لدي فينيلا الأحساس بأنها فقدت وعيها منذ وقت طويل .. ولكن كم من الوقت ؟ ساعة ....يوما....أسبوعا لا ....لم يستطع أحد ان يخبرها..
عندما اتى الطبيب لزيارتها في اليوم التالي جلست بجانب سريرها مقربا كرسيه اليها.. من الواضح انه سيجري معها حديثا مطولا .. كانت فينيلا قد استردت الكثير من قواها ولكنها كانت مشوشة ومضطربة فخلال اليومين الماضيين رأت الكثير من القلق على وجوه الممرضات على الرغم من محاولتهن الفاشلة في اخفاء ذلك..
- لا أستطيع تذكر أي شئ....من انا؟
بادرته فينيلا بتلك الكلمات وقد بدأ القلق والأضطراب عليها تابعت:
- لا استطيع ان اتذكر أي شئ عن نفسي .. اشعر وكأنني قد هبطت الى الأرض في هذه اللحظة .. استطيع ان اتكلم وان افكر وأعرف ما علي فعله ولكن لا شئ آخر أشعر وكأنني قد ولدت لتوي!!!
حدق الطبيب فيها لفترة وضع يده على ذراعها .. كانت ترتعش من الأنفعال مثل العصفور الصغير الذي وقع في براثن القط .. نظرت اليه محاولة فهم الحقيقة .. محاولة التقاط أي بارقة أمل في عينيه .. ولكنها لم تجد الا التعاطف وهذا ما اخافها اكثر..
- ماالذي حدث لي؟ لماذا لا استطيع التذكر؟....من انا..؟
أشار الى الممرضة بترك الغرفة أحتضن يدها بكلتا يديه أحست بالدفء يغمرها .. كان يحاول امدادها بالقوة .. بالقوة لمواجهة الآلام الكامنه في اعماق عقلها.. ولكنها لم تكن تريد ذلك .. لم تكن بحاجة في الوقت الحاضر الا معرفة أسمها ومن هي وما هي حياتها..
-قولي ....مالذي تتذكرينه سألها..
- لا شئ....انالا اعرف أي شئ ....لقد قلت لك اشعر وكأن حياتي قد بدأت فوق هذا السرير .. تصور انني لا اعرف اسمي او عمري..
- بالتأكيد....الممرضات....؟
-آه..نعم أخبروني عدة اشياءنعم....اسمي فينيلا سو عمري ستة وعشرون عاما.. عيد ميلادي يصادف في
شهر آيار ولكن هذا كل شئ .. بالأضافة الى انني غير متأكدة من أي شئ فبأستطاعتهم ان يخبرونني انني الملكة فيكتوريا او ميريل ستريب ولن اعرف الفرق..
- ولكنك تعلمين انك لست أيمنهما..
نظرت اليه والتقت عيناها بعينيه .. حدقت فيه لفترة بعد ذلك شعرت بالهدؤيعود اليها..
- نعم اعرف ذلك .. أخبروني انني لست اولئك ولكن كيف اعرف انني فينيلا ومن هي فينيلا تلك..
- ولكن ما يحدث لك ليس حدثا غير عادي .. فعندما جئت الينا كان هناك جرح بليغ في رأسك.. فقد كنت في وضع صعب لهذا ووفقا لتلك الظروف كان من الصعب عليك معرفة اية تفاصيل عن حياتك .... وعلى كل حال وكما ارى فأن ذاكرتك لم تتأذى الى حد كبير فأنت تعرفين الملكة فيكتوريا وميريل ستريب..
- شكرا لك....وهل هذا ما تظنه كافيا لمتابعة حياتي..
- انا آسف..انا لم اقصد هذا..أعرف ان الوضع صعب ولكني متأكد انك ستتحسنين..
- هل هذا صحيح؟
بدا الألم على وجهها..
- بالتأكيد ....فكثيرا من الحالات المشابهه كحالتك يستعيد المريض فيها ذاكرته ولكن هذا يحتاج الى وقت..
- وقت....وماذا تعني بالوقت؟ بضعة ايام؟ سنه؟ اكثر من ذلك؟
حدقت فيه بعيون واسعه ووجه شاحب تابعت قائلة:
- وهل سأتذكر كل شئ..كل شئ؟
أعادت كلماتها الأخيرة همسا..
نظر اليها الطبيب وقد لاحظ مدى ارتباكها وارتجافها اخيرا قال:
هذا يعتمد على سبب فقدانك الذاكرة....من المحتمل ان السبب لا يمت بصلة الى الجروح التي وجدناها عليك .. الا يحتمل انك لا تريدين التذكر..
ولكن كيف يمكن هذا .. فأنا اريد ان اعرف من انا ؟
ابتسم قائلا:
- العقل .. جزء معقد من جسم الأنسان .. وهو لا يقوم دائما بتنقية الأفكار.. فأذا حدث وان حصلت بعض الأشياء غير المستحبة يفضل العقل نسيانها بشتى الطرق وفي هذه الحالة يقوم بنسيان أشياء أخرى عاديه حصلت قبل ذلك..فينيلا افضل ما تقومين به الآن هو اخذ بعض الراحة .. حاولي الا تقلقي فأنت لا
تستطيعين استحضار الأفكار ولا الذكريات فهي ستأتي من تلقاء نفسها وبالتدريج ..
- ومن المحتمل الا تأتي على الأطلاق ..
رأت في عينيه الأجابة.. استدار وخرج من الغرفة ..
انتبهت عندها انه لم يخبرها عن اسمه..
من المحتمل انه قدر وضعها فهي لا تعرف أي شئ عن نفسها ولا حتى اسمها ومازالت كذلك....كانت ماتزال تنظر من نافذة غرفتها الى الحديقة وتحدق في المرضى الموجودين هنا وهناك .. عادت الى افكارها....
لقد قيل لها بعض الأشياء عن حياتها.. هل كان من الأفضل ان ترمي بماضيها وراء ظهرها وتنسى كل شئ؟
ولكن هذا ما لاتستطيع عمله او القيام به فيوم ما لابد لها من ان تتذكر ولو اشياء صغيرة ستساعدها بالتأكيد على ازاحة الظلمة من عقلها..
استعادت المعلومات التي اصبحت لديه الآن عن نفسها على أصابعها أسمها فينيلا سو عمرها سته وعشرون عاما تعيش في شقة تقع في شمال لندن .. اشترته منذ ثلاثة اشهر مضت تعمل كسكرتيرة لأصدقاء لها وليس لها من معارف يعلمون عنها اكثر من ذلك..
لم يكن هناك اية معلومات عن المكان الذي قدمت منه قبل شرائها لشقة لندن..
اذا استطاعت ان تعلم مالذي حدث لها كيف تعرضت للحادث.... هل هذا سيساعدها على التذكر؟
كان الدكتور سام والذي اعتاد ان تناديه ينظر اليها بصبر كبير .. نصحها بألا تفكر كثيرا ولا تركز على اتجاه واحد لأنه اذا لم يكن العقل مستعدا لهذا الضغط وهذا التركيز فسيأتي بالنتيجة العكسية..
- ان هذا الأمر بأمكانه ان يكون مريحا لك..فأنت لست الشخص الذي يشعر انه لا ماض له.. ولايمكنك ان تتصور الوضع الذي اعاني منه..
كان صوت فينيلا ضعيفا وهي تحدثه بينما انهارت دموعها ..
-ربما ولكني كنت سأحاول .. فأنت لاتريدينني ان اخبرك عما حدث لك ..اليس كذلك؟
انتظر قليلا لكي تستجمع نفسها وتفكر بما قاله لها.. رأي الخوف والقلق على وجهها..
-ارأيت ؟ لاتزيدي الأمر صعوبة .. أتركي الأمور تسير
ببطء
- ولكن لنفرض انني لم اتذكر أي شئ؟
كانت تصرخ من الألم واليأس .. امسك الطبيب يدها مرة اخرى محاولا مدها بالقوة والثقة بالنفس..
- اعتقد انه يجب التفكير في هذا ايضا .. ولكن ليس أمامك الآن الا ان تبدأي حياتك من جديد وليس هناك من طريق آخر..
ولكن اؤكد لك ان ذلك لن يدوم طويلا..فيوم ما ستتذكرين كل شئ وذلك عندما يصبح عقلك قادرا على استيعاب....
- استيعاب ماذا ؟
حدقت فيه متآملة في أجابته.. الا انه مكث صامتا .. بعد قليل أجابت على السؤال بنفسها ولنفسها..
قادرة على استيعاب ماحدث لي .. هذا ماتقصده اليس كذلك؟
ولكنها تعرف انها ليست قوية بالشكل الكافي لمواجهة تلك الحقيقة ولن تكون ابدا .. على الأقل في الوقت الحاضر..
اما الآن فأنها ستبدأ في عمر السادسة والعشرين .. بدون أهل بدون اصدقاء .. بدون ذكريات وبدون ماض .. ابتعدت فينيلا عن النافذة .. فالناس الذين كانت تراقبهم بدوا لها وكأنهم يقضون عطلة ما.. فهم يتحسنون وينتظرون اللحظة التي سيخرجون فيها
من هذ المكان ليتابعوا حياتهم.. قاومت بشدة الشعور بالرثاء على نفسها فلم تكن لتسمح لهذا الشعور باجتياح حياتها والسيطرة على كيانها .. عادت للتفكير في حياتها والطريقة التي كانت تعيشها طبعا لتفكر بما قالوه عنها وما اخبروها به..
لابد ان هناك شيئا ما سيساعدني على التذكر؟
اخبروها انها ترعرت في قرية صغيرة تدعى سوفولك انتقل والدها في تلك القرية عندما اصبح عمرها ثمانية عشر عاما وبعد ان اتمت المرحلة الثانوية ....عملت كموظفة الى ان قتل والدها في حادث سيارة في كندا..
مالذي فعلته فينيلا بعد ذلك....هذا ما لم يخبرها عنه احد كان من الصعوبة ايجاد أصدقاء لها .. فقد ظهر أنها لم يكن لديها أصدقاء محددون ..
- في الحقيقة لايبدو أنني تركت أي اثر في حياة أي أنسان ويمكن ان اكون مرشحه الوحيده للزوال بدون أي اثر ..
- لا تقولي ذلك..فأنت شابة جذابة فينيلا .. المشكله أنك أنتقلت الى لندن منذ فترة وجيزة .. من المؤكد أنك
عملت في اماكن كثيرة فكما علمنا من الوكالة التي كنت تعملين فيها انك من اكفأ الموظفات
توقف قليلا وتابع: أظن ان من الأفضل ان تتركي هذه التساؤلات جانبا وكما قلت لك قبلا .. دعي الأمور تسير بطريقة طبيعية انها الطريقة المثلى..
- ولكن....ينقصني بعض الأصدقاء..أني اتساءل لم لا يسأل عني أحد؟ لم لا يأتي أحد الى شقتي للسؤال عني مثلا؟ هل يعقل الا يكون عنواني بحوزة أحد؟
-من المحتمل ان تكون تلك رغبتك ..فينيلا ....أن تقطعي علاقتك بالماضي .. قاطعته بشدة قائلة:
- ارغب في ذلك؟هل هذا ممكن؟واذا كان كذلك ....لماذا؟
كانت تلك احاديثها مع الطبيب .. فقد اعتادت ان تجلس
اليه وتحدثه .. ماهو السر الذي يكتنف حياتها .. ماالذي يدفعها الى قطع كل صلتها بالماضي ؟ لاحظت ان ذلك السر له دور كبير في فقدانها لذاكرتها حتى انها تود ان تخفيه عن نفسها..
هل هو شئ فعلته.. او هو شئ فعله أحدهم معها؟
شعرت مرة اخرى انها ترتعد من الخوف والقلق..
تذكرت كلمات الطبيب .. صحيح..لم لا تترك كل شئ للزمن عليها الا تسأل نفسها مثل تلك الأسئلة..
عليها ان تترك الماضي وتنظر الى المستقبل..لوحدها..
كانت على وشك ترك المستشفى .. فجروحها قد شفيت وما زالت تحاول البحث داخله عن أية ذكرى.. أتاها الطبيب وطلب منها الخروج ومرافقته لزيارة مريض في مستشفى آخر.. سألته في قلق:
- وهل تعتقد أنني سأرى شيئا يعيد لي ذاكرتي.... أنا لست متأكدة....
- لا تبدأي بالقلق مرة أخرى..فأنا لا أدري مالذي يمكن ان يحدث .. فلا تفكري في ذلك كثيرا .. اعتبري خروجنا من المستشفى عبارة عن نزهة....اتفقنا؟ فأنا اود ان أقابل أحدهم هناك .. ولكن لادخل لك بالموضوع.. ماعليك الا ان تتمتعي بالمشوار وبالغداء .. فأنا اود ان اطمئن عليه وأرى كيف تواجهين العالم الخارجي..
نظرت اليه في شك الا ان نظراته كانت مطمئنة..
- حسنا ....هذا اذا كنت متأكد انه لن يحدث أي شئ..
- انا متأكد..
ولكنها لم تكن متأكدة .. شعرت ان هناك شيئا ما سيحدث ولكنها لم تقل له شيئا فقد وضعت ثقتها فيه منذ اللحظة الأولى منذ ذلك الصباح الذي اتى فيه اليها وجلس قربها ممسكا يدها وهي الآن تثق فيه ايضا الآن....وهي تحدق من خلال النافذة تذكرت مباراة الكرة وشعرت مرة اخرى ان ل هدفا آخر من وراء طلبه في اصطحابها تذكرت مرة اخرى ذلك الرجل المقعد ذي الشعر الأسود والذي سيطر بحضوره على الملعب كله.. ذلك الرجل المقعد ذو الجسم القوي الكامل الحيوية والذي بدا لها انه من الصعب متابعة حياته على ذلك الكرسي المتحرك..
لابد وأن تلك الزيارة ستكون ذات شأن بالنسبة لها.. كانت متأكدة من ذلك.. ولابد وانها ستؤثر على حياتها في المستقبل..
في اليوم التالي أخبرها عن العمل كان ذلك اثناء جلوسها في غرفة المكتب في ذلك المستشفى الذي تتعالج فيه .. لذلك اخذ حديثها الطابع الرسمي والعملي.. عكس ما اعتادت عليه اثناء جلوسها معه فخلال الأسابيع القليلة الماضية كانت قد تولدت بينها وبين الطبيب صداقة فقد تكررت لقاءتها وأخذت طابع الصداقة وليس طابع العمل العلاجي..
جلست أمامه وواجهته .. شعرت انه مايزال هناك الجانب الرسمي في علاقتهما..
وشعرت من خلال حديثه انه يتوق الى الأخذ بنصيحته في ترك المستشفى وذلك ليرتاح من مشكلتها..
- عمل؟ ....ولكني لا ادري ما الذي يمكنني عمله..
- انت سكرتيرة جيدة نحن نعرف ذلك كما انه لديك الخبرة في اعمال المكتبات وبذلك ستكونين المساعدة في الأبحاث وفي الكثير من الأشياء بدأت فينيلا تهتم بالموضوع .. سكرتيرة وأبحاث نعم ..ولما لا..
- وهل هذا ماتعرضه علي من عمل ؟ هل تفكر في الاتفاق مع الوكالة التي كنت اعمل بها؟
- في الحقيقة ليس هناك شئ من هذا.. لقد عرفت وبالصدفة من المريض الذي أعالجه – وهو في نفس الوقت صديق قديم لي – انه على وشك مغادرة المستشفى ولكن لسوء الحظ لم يشف تماما فهو غير قادر على السير ..آسف بالطبع انت تفهمين..
كان يتحدث بسرعة وكأنه يود ان يخفي شيئا ما نظرت فينيلا اليه بفضول وشك .. وفكرت ان هناك شيئا يخفيه عنها لذا لا يستطيع مواجهة عينيها تابع قائلا..
- على كل حال .. هذا الرجل مؤرخ..يكتب في تاريخ اوروبا ويحتاج الى شخص اذا صح التعبير يقوم مقام رجليه ويتضمن ذلك السكن معه فهو يعيش في منزل جميل في الواقع انا ارى ان هذا العمل قد خصص لك .. فهو يتيح لك الرجوع الى الحياة بعيدا عن مشاكل الوظائف ومضايقاتها بالنسبة لك ولوضعك.. توقف لبرهة ونظر اليها .. حسنا يمكنك التفكير في هذا العرض.. لست في حاجة لسماع ردك الآن خذي وقتك بالتفكير..
حدقت فيه فينيلا لبرهة .. فكما هو ظاهر يعتبر هذا العرض أفضل الحلول لمشكلتها ولكنها كانت متأكدة ان هناك خفايا لم تعرفها بعد ..
عادت وسألته مرة اخرى:
- صديقك هذا الذي تتحدث عنه هل تتم معالجته في ذلك المستشفى الذي ذهبنا اليه البارحة؟
- حسنا....نعم....بالفعل انه كذلك....
بداعليه الارتباك وعدم الارتياح ..
- هل تعرف ..أراك شفافا لقد أخذتني الى هناك لكي يلقي علي نظرة ويشاهدني اليس كذلك؟ وهكذا يقرر فيما اذا كان سيوافق على انتقالي للعيش معه والقيام بالعمل اللازم ؟ الا تظن انه بحاجة الى انسان آخر يضع فيه ثقته؟شخص يضمن ان يعود الى البيت اذا ما خرج الى مكان ما ( قررت مرة اخرى)
انت شفاف جدا دكتور واني ارى اشياء اخرى لم تحدثني عنها ..
- حسنا..أعترف انني خططت لكلهذا ..ولكني متأكد انه بحاجة الى شخص ما وانا اعرفك انت واعرف انك ملائمة لهذا العمل....اذن لم لا أساعدكما ؟ اما اذا لم تكن لديك الرغبة في هذا العمل .. فما عليك الاان تقولي ..
- وكيف لي ان اعرف انني لا ارغب ؟ فأنا بحاجة الى مقابلة ذلك الرجل قبل ان اقرر .. بالتأكيد يمكنك ان تدبر لهذا اللقاء ؟ شعر بالراحة..
- بالتأكيد ..فينيلا بأمكانك مقابلته في أي وقت تشائين الآن اذا اردت..
الآن ؟ ....هل تقصد انه هو؟
- بالفعل ....طلب مني القدوم الى هنا لمقابلتك ولكني طلبت منه بعض الوقت لأضعك بالصورة .. لقد رفض في البداية لأنه اذا فكرت بالموضوع فلا بد وانك سترفضين عرضه .. انه في الخارج وبأمكانك رؤيته الآن اذا رغبت في ذلك..
حدقت فيه لبرهة نهضت وعبرت الغرفة لتنظر من النافذة استقرت عيناها على الكرسي المتحرك .. كان الرجل ينظرالى الحقول المترامية بالقرب من المستشفى .. ظهره لها لذا لم تستطع رؤية وجهة ..ولكنها عرفته.. نعم عرفته وبدون ان تنظر الى وجهة عرفته من شعره الأسود وجسمه القوي لابد وأن عينيه رماديتين وفمه قوي.. شعرت برعشة تجتاح جسمها تذكرت أحساسها لدىرؤيتها له في الملعب البارحة..
نسيت وجود .. فتحت الباب وخرجت الى الشرفة حيث الرجل سارت عبر الشرفة الى ان أصبحت بجانبه .. شعر بها لدى اقترابها منه استدار اليها وواجهها ..
توقفت فينيلا والتقت عيونهما حدقا في بعضهما لفترة..
" لا....هذا الرجل لم يعتد المرض ابدا"
هكذا فكرت فينيلا بينما عيناه تنشران موجات مغناطيسيه حولها وتأسرانها .. شعرت بالخوف لو كانت حكيمة لاستدارت على عقبيها وابتعدت عن ذلك المكان وعن ذلك الرجل
تنهدت واقتربت منه الا ان الكلمات لم تخرج من شفتيها ..
انا روبرت ميلبورن
بادرها الرجل كانت في كلماته نبرة لم تستطع فهمها تابع قائلا:
فهمت من انه اخبرك عن الوظيفة التي اعرضها عليك هل..هل فكرت فيها؟
ترددت فينيلا في الأجابه كانت تنظر اليه .. تساءلت كيف لمثل هذا الجسم ان يفقد القدرة على الحركة .. بينما تراه بكامل صحته وقوته..
- على الأقل (تابع) يمكن ان تحاولي..
كان هناك شئ ما حرك مشاعرها .. شئ ما في صوته اثر على عقلها.. شئ جاء كاالبرق ومن ثم اختفى ..أحست في صوته بالألفة .. وكأنها عرفت هذا الرجل من قبل .. ولكن كيف.. هذا مستحيل .. انه ينظر اليها الآن بدون اية مشاعر وبعيون باردة .. هل يمكن لهذه العيون الباردة ان تخفي شيئا..
بللت فينيلا شفتيها الجافتين بلسانها .. كان قلبها مايزال يخفق بشدة .. وضعت يدها على خدها كانت اصابعها ترتجف .. ارادت ان تقول "لا" ولكنها قالت ..
- نعم..سآتي اليك في اقرب وقت..
فكرت انه مهما كان الخطر عظيما بالقرب منه فهذا امر لابد لها من مواجهته