المقدمة :
انه
اليوم التاسع عشر, اليوم الذي عشت حياتي أنتظره , اليوم الذي طاف بين
أراضي أحلامي ليجعلها جنان خضراء مليئة بزهور الربيع . يوم التقى فيه
روحان انتظرا طويلا ليلتقيا , روحان عاشا ميتان كل منهما وحيد يبحث عن
قرينه حتى جمعهما ذلك اليوم .
ذلك اليوم
الذي لم تغرب شمسه أبدا وظل قمره بدرا دائما وأبدا لماذا؟! لأن فيه ولدت و
فيه مت , لأن فبه بدأت حياتي و فيه انتهت كذلك و بدأت من جديد .
يوم أعشقه أكثر من أي شيء آخر في العالم , يوم نزلت فيه الجنه على الأرض , يوم فيه رأيت المستحيل حقيقة
ماثلة أمامي , يوم لن أنساه ما حييت .
يوم
توقف الدهر عنده وابتدأ من جديد , يوم لو كان كل انسان كتب امنيته لتمنى
أن يعيشه ولقد كان لي أنا .. يومي أنا ..... اليوم التاسع عشر
اسمي
جمانة تخرجت من كلية الآداب قسم الانجليزية وعملت مترجمة وبعد فترة تركت
عملي وصلتني دعوة أعز صديقاتي جيهان لطفي وهي كانت زميلة جامعية لي وجلست
سنوات ندرس معا نمرح معا نضحك معا و نبكي معا احيانا ....قررت دعوتي لأجلس
معها في دبي التي عشت فيها عشر سنوات من طفولتي و طبعا كان هذا بتسليط من
زوجها الذي هو أخي الأكبر و الوحيد ماجد لكي أكون معه فلقد عشنا حياتنا
معا و صعب علي جدا وعليه أن نفترق سنة كاملة و لكن كان الأمر أصعب على
والدينا حيث سيكونا وحيدين بدوني و بدأ اليو بمناقشة كالعادة مع والدتي
لكي تغير من رأيي :
-جمانة ان عمري أصبح 56 عاما و أنا بحاجة لتكوني الى جانبي أرجوك دعك من دعوة ماجد وابقي معنا .
-لكن
ماما سوف أتزوج يوما ما و حينها هل ستقولين لي كم هو عمرك و تطلبين مني
البقاء ....أرجوك أنا أتمنى منذ زمن بعيد أن أسافر الى دبي وأسترجع ذكريات
طفولتي هناك و لا تقلقي سأكون مع أخي كلها أشهر و أعود ثانية .
-آآآآه وأرجو الا تطول اقامتك اذا استغرقت في الذكريات ....
-هاهاه ماما كم أحبك .......آآآآه سوف أسافر غدا أشعر بسعادة رهيبة لن أستطيع النوم هذة الليلة.
جاء
الصباح و كنت في طريقي الى المطار و مرسومة على وجهي ابتسامة العودة للوطن
فلطالما أعتبرت دبي موطني الذي أشعر بالغربة بعيدا عنه حتى في مصر ... و
بعد ركوب الطائرة كانت الذكريات تداعب عيناي وصور تترائى لي عن طفولتي
هناك و أصدقائي الذين فقدتهم بمجرد سفري من هناك .
اشتقت
الى دبي كثيرا شعبها أرضها سمائها هوائها حتى طيورها اشتقت اليها كثيرا
وعندما أعلن الطيار بداية الهبوط رقص قلبي من السعاده حتى أحسست ارتطام
العجلات بأرض دبي الحبيبة ...نزلت السلالم لأجد نفسي في مطار دبي ظللت
أنظر حولي ففي هذا المكان بكيت و أنا أعود الى مصر حتى أنها نفس الكراسي
التي جلسنا عليها و ........
-جمانة!!!!!!!!.......
-هاه!!! ماجد !!!! هذا انت ؟ أشتقت اليك يل أخي العزيز ...
ورميت نفسي في أحضانه .......
-ماذا كنت تفعاين لقد ظللت أنادي عليك مرات عديدة فيمل كنت تفكرين؟!!
-أوه!!! آسفة لم أسمعك اطلاقا
-أهااه !!! لعلك كنت تسترجعين الذكريات أعلم مدى حبك لهذة المدينة , على أية حال كان هذا سبب دعوتي أنا و جيهان لك .
-يا سلام !!!!هذا هو السبب فحسب؟!!!!
-نعم! أوه!! حسنا السبب الثاني لأننا اشتقنا اليك
-آآه!!! هذا هو السبب الأساسي هاهاها!!!!!!
ركبنا
سيارة أخي ومشينا في الشوارع التي لطالما حلمت أن أراها فبعد سبع سنوات
أراها و قد ازدات جمالا ,الأشجار ,الشارع الرئيسي , المباني آآآآه كم كنت
سعيدة في هذا الوقت , مررت بجانب مراكز
التسوق التي كنا نقصدها و رغبت أن نتوقف عند كل واحد لكن أخي بعد ضحكات
دامت دقائق قال أنه سيصحبني في جولة غدا ووصلنا الى المنطقة التي يسكن بها
ولاحظت وجود مكتبة كبيرة جدا على الشارع الرئيسي فنظرت اليها بدهشة أبدت
اعجابي و تنهدت......
-أعجبتك؟
انها مكتبة القاسم ألا تبدو جميلة؟! انها جديدة بنيت منذ سنتين فقط فيها
كل ما تتخيلينه من الكتب ويمكنك الذهاب اليها بسهولة فهي قريبة من بيتنا
.....
- ماذا تقول سأذهب اليها كل يوم فهي مكان مسلي .
وصلنا
الى بيت ماجد ,مبنى جميل أسفله أشجار وأزهار , وصلنا الى باب شقته ففتحت
لي جيهان ولم أقل لهل كلمة واحدة فلقد ابتسمت كلتينا و ارتمينا في أحضان
بعضنا البعض ........
-ياهلا !ياهلا! لقد زارنا النبي اليوم .....
-آآآآآآه يا جيهان اشتقت لك وكأني لم أرك منذ ألف سنة
-تفضلي ....... تفضلي كم أنا سعيدة برؤيتك لقد أصبحت في غايه الجمال , ماجد ! ألم يحن موعد زواجها بعد؟!!
-هاها! أتسمعين يا جمانة ؟ يبدو أن جيهان لا تريد أن تترك أحد عازب في العائلة , تزوجتني و تريد أن تزوجك أيضا ... هاهاها!!
-معك حق يا ماجد و بعدين يا جيهان؟ أنا لم اجد الشخص المناسب بعد .
-اشارة منك و أنا أخلي العرسان على بابك عشرات , هو في أحلى من جمانة في العائلة ؟!
-هاها ربنا يخليك يا جيهان وحشني كلامك يا رفيقة عمري ....
بتنا
هذة الليلة في الضحكات و لم أشعر بسعادة كما شعرت ذلك اليوم ودخلت غرفتي
ونمت في سريري من الارهاق لم أفكر لحظة كما أفعل دائما قبل النوم ......
مرت
الأيام ,أخرج يوميا أتطلع في جمال دبي وأذهب الى اللأملكن التي كنا نذهب
اليها قبل سبع سنين تغيرت الكثير من الأشياء و لكن التغير كان للأفضل .
ذهبت الى العمارة التي كنت أسكن فيها فوجدتها كما هي ظللت أتطلع في دخلة
البيت حتى نزلت الدموع من عيناي و تمنيت لو صعدت الى هناك لأدخل شقتنا
واجدها كما هي . ذهبت الى الأسواق التي كنت أذهب اليها ظللت أحرك عيناي
هنا وهناك وذكرياتي عادت لها الحياة من جديد , أطالع الوجوه التي تعودت
عيني على رؤيتها أسمع اللغة التي اعدت سماعها يااااه!!! كان ذلك أمل حياتي
الذي انتظرته منذ سنين مرت علي كالصحراء الموحشة و بعد وصولي أصبحت جنان
خضراء .
كانت
حياتي تمر هادئة أخرج يوميا وأتطلع في السماء أجدها مختلفة كل يوم تزداد
جمالا عن اليوم الذي قبله سبحان الخالق , ومساءا أخرج مع ماجد وجيهان
بالسيارة أطالع النجوم التي اعتدت على مطالعتها , الجو الذي اعتدت عليه
ياااه !! أين كنت أنا وأين أنا الآن و كأني في سحابة غبار لا أعرف ماهو
الحقيقي و ماهو الحلم.
تمر
اللأيام ولكني كنت أشعر أني أنتظر شيئا ما ,حدث غير متوقع أعيش اليوم أنظر
حولي وكأني انتظر مقابلة شخص ما , شخص أطوق لمقابلته ولللأسف لا أعرف من
يكون وعندما ينتهي اليوم أشعر باحباط ولكن يكون عندي أمل كبير في الغد
المشرق.
بدأت
أحفظ الأماكن و الشوارع و لكني كنت أتردد على المكتبة القريبة مكتبة
القاسم قليلا بسبب انشغالي بزيارة الأماكن الحببة الى قلبي فقلت أنه لابد
لي من الذهاب الى هناك و قضاء وقتي الصباحي فيها ...............
خفق
قلبي بشدة وأنا أدخل بوابة المكتبة لا أعلم لماذا , كانت كبيرة مبهرة
المنظر رفوفها كثيرة كتبها رائعة من كل الأصناف و المواضيع الشيقة التي
يمكن أن تقرأ فيها من الروايات العالمية الشهيرة الى كتب السياسة والتاريخ
والكتب الاجتماعية و الكتب النفسية وكتب الرومانسية والحب التي تعتبر نوعي
المفضل . أيضا يوجد كتب مليئة بلوحات للفنانين المشاهير وبما أن هوايتي
الأساسية هي الرسم فلقد كانت هذة الكتب تشبع رغبتي بمعنى الكلمة و حصلت
على بطاقة اشتراك للاستعارة و لكني لاحظت عدم فائدتها بسبب وجود طاولات
المطالعة المريحة جدا والفاخرة فيمكن أن أجلس وأقرأ ساعات هناك حتى تتعب
عيناي و كان هذا أمتع شئ بالنسبة لي .
استيقظت
ذات صباح ونظرت في النتيج كعادتي لأجده اليوم التاسع عشر من الشهر و فتحت
النافذة و اتسعت عيناي فاذا بي أرى أجمل عصفور في الدنيا يقف على حافة
نافذتي يغرد بصوته الرائع الرنان ابتهجت كثيرا عندما رأيته ووقفت من بعيد
أتطلع فيه حتى لا يطير كانت لدي رغبة شديدة في الامساك به والاستمتاع
بملامسة ريشه الناعم ثم طار بعيدا فحزنت قليلا ثم تفائلت بعدها كثيرا و
شعرت أنه سيكون يوما جميلا كما كان غناء العصفور فارتديت أفضل ثيابي ووضعت
أفضل عطر و خرجت لأذهب الى المكتبة و عندما وصلت ذهبت الى مكاني المفضل
حيث توجد كتب الرومانسية ونصائحها الثمينة . فتحت كتب عديدة أعجبتني حتى
وجدت كتابا كان برف عال جدا علي و أعجبني عنوانه حيث كان ( الحب من أول
نظرة) فرفعت ذراعي حتى أمسك به دون جدوي أرفع مرة بعد الثانية و نظرت الي
يساري فوجدت سلم قصير متحرك في الناحية الاخرى و بينما أهم لآخذه فاذا
بصوت رقيق من خلفي يقول :
-لا دعي للسلم سوف ألتقطه لك ......
التفت
بسرعة حتى وجدت الكتاب أمامي بين يدي شاب . لا أعلم لماذا خفت أن أرفع
عيناي وقفت لحظة ثم رفعت عيناي ببطء حتى أجد شخص بحثت عنه طويلا , لا أعلم
كم مضى من الوقت وأنا اتطلع في وجهه, عيناه , شعره , ملابسه , ابتسامته
العريضة ثم تذكرت فجأة أين أنا فخطفت الكتاب من يده بحركة سريعة و ابتسمت
ابتسامة خجل و لم أجرؤ بعدها على النظر في عينيه ووقفت ساكتة لا أعلم ماذا
أقول فلقد شعرت بالحرج و هو يطالعني بابتسامته و فكرت لو أنه لاحظكم
أعجبني عندما نظرت اليه و تذكرت عنوان الكتاب فلابد أنه عرف ما أردت
قراءته وجاهدت لأحصل عليه لذلك شعرت بحرج أشد .
-لا تشكريني يا آنستي أنه واجبي .....
فنظرت اليه نظرة احراج اخرى لأني تذكرت أني لم أشكره فقلت متلعثمة:
-أوه!!!!! أشكرك جدا شكرا جزيلا ..لا تؤاخذني
و نظرت فوجدت مكان فارغا عند طاولة المطالعة فاستأذنته و ذهبت وجلست عليه فاذا به يلحق بي ضاحكا و هو يقول :
-أوه !!! لابأس اذا كان هذا اختيارك و لكن هل يمكن أن آخذ كتابي ؟!!
فلاحظت أنه مكانه فنهضت مسرعه وقلت في هلع :
-هذا مكانك ؟! أنا آسفة لم أقصد أنا ....
-لا لا أجلسي لا يهم
-لا لا أنه مكانك و لن .....
-لا من فضلك اجلسي , أتوسل اليك انه ....
واذا
بهمسات الناس تقاطع حديثنا لأنه مكان المطالعة و يجب أن يبقي هادئا و من
الواضح أننا لم نجعله كذلك فألتقت عيوننا و ضحكنا و أعتذر هو للناس
بالنيابة عني و اذا به يسحب كرسي آخر ثم جلس و أنا جلست على كرسيه و فتحت
الكتاب وتظاهرت أني أقرأ ولكنني لم أقرأ أي كلمة فلقد كنت أختلس النظر
اليه وهو يقرأ بهدوء و ثقة ثم نظرت الى ساعتي فوجدت أني تأخرت فنهضت مسرعة
فناداني فنظر حوله ثم اقترب مني و قال بصوت خافت :
-اتذهبين الآن بهذة السرعة؟! لم تلحقي أن تقرأي شيئا .....
فقلت له مبتسمة بعد أن تمالكت أعصابي :
- آسفة لكن يجب أن أذهب الآن تأخرت و أشكرك مرة ثانية .... مع السلامه
- هل ستأتين غدا ؟
-مع السلامة
فقال مبتسما :
- مع السلامه
خرجت
من باب المكتبة و أنا أتنفس بصعوبة لا أعرف ماذا أفعل شعرت برغبة في الرقص
فلقد شعرت بفرحة لم أشعر بها من قبل لأنه أبدىاهتمام و شعرت أن عنوان
الكتاب كان يتحدث عني (الحب من أول نظرة) وتساءلت ان كان قد شعر بنفس ما
شعرت به حينها و نظرت الى الأشجار و أنا أسير و تفاجئت فأنا أسير في هذا
الشارع كل يوم ولم أشعر أنه جميل هكذا من قبل و بأن أشجاره جدا جميلة و
مبهجة , أسمع زقزقة العصافير ثم تمالكت نفسي و قلت ماذا جرى لك يا جمانة
أول رجل تقع عليه عيناي أقع في غرامه من أول نظرة كم أنا حمقاء و لكنه
يستحق فلم أرى في حياتي بمثل وسامته و فجأة وجدت نفسي أمام باب مبنى شقتنا
فلم أشعر بالطريق إ طلاقا .
جلست في غرفتي ساعات أعانق وسادتي و أفكر فيه و في عينيه ثم دخلت جيهان فجأة تقول :
-جمانة ماذا جرى لك ؟ أنا أنادي عليك منذ منذ زمن ماذا حصل ؟
-لا شئ يا جيهان لا تقلقي .... فقط .....
-فقط
ماذا؟ أنت اليوم غير طبيعية تجلسين في غرفتك تسمعين الموسيقي الرومانسية
هنالك شئ ألست صديقتك المخلصة الوحيدة ؟ أخبريني ماذا حصل وأعدك لن أخبر
أحدا.
فأطلقت إبتسامتي العريضة و قلت:
-حصل لي اليوم شئ عجيب لا أصدق..... من لقاء ساعة واحدة يحدث لي كل هذا؟
-لقاء؟ من التقيت؟ثم لماذا تلمع عيناك هكذا ؟ هيا شوقتيني.....
فحكيت لها كل شئ فقالت :
-واو !!!!! لا أصدق الفارس الذي انتظرناه طويلا ......كيف يبدو ؟أوصفيه لي
فطرفت عيناي وغرقت في الذكريات و انا أرى وجهه أمامي فقلت :
-كان
..... كان وسيما جدا أبيض البشرة طويل القامة رشيق الجسد ووجهه كان متناسق
مريح للأعصاب ملامحه هادئة رقيقة و عيناه ..... عيناه كانتا عميقتان
جميلتان بلون كهرماني جميل و كان شعره كثيف كالحرير ينسدل على جبهته لونه
فاتح مائل الى الإصفرار قليلا كان تماما كما هو فتى أحلامي
-يا عيني!! ياعيني!!! باستثناء فتى أحلامك الأشقر وعيناه الزرقوتان فهو يشبهه أخشى أن أقول لك هذا لكنك تبدين معجبة به للغاية
فتوقف شريط ذكرياتي والتفت اليها بنظرة جادة :
-ماذا تقولين ؟ فقط معجبة بشكله ولكنه مجرد شاب مثل أي شاب ما الذي جاء في ذهنك؟
-لا
شئ ربما حان الوقت لكي أزوجك كما فعلت بي من قبل . على أية حال يحدث لكل
شخص أن يلتقي شخصا آخر يشعر نحوه بالإنجذاب له من أول لقاء و حالتك احداها
.......
ثم
نهضت وذهبت وأن فكرت و شعرت بالسخافة فلقد أعطيت الأمر أكثر من حقه و لكني
لم أكن أعلم أن هذا اللقاء سيعمل تغيير جذري في حياتي ...........
استيقظت
مشرقة هذا الصباح ارتديت ملابسي اخترت ألوان مشرقة زاهية حيث كانت تعبر عن
حالتي النفسية و مشيت الشارع بثقة ثم ذهبت الى المكتبة, عندما دخلت .. لا
أدري ظلت عيناي تتحرك يمينا و يسارا لا أعلم عن من كنت أبحث ثم أخترت احدى
روايات شيكسبير و جلست للأستمتاع بمشاهدة صورها أولا ثم سمعت رجلا يقول
الى جانبي:
-كيف حالك ؟
فنظرت اليه فوجدته هو فاضطربت ضربات قلبي و قلت :
-أوه!!!! هذا أنت مرحبا
-هل يمكن أن أجلس ؟
-طبعا!!
فجلس بالكرسي الذي يجاورني ولاحظت أن أنفه أحمر وأن صوته مختلف فقلت له:
-هل أنت بخير؟ تبدو لي مريضا.
فضحك ثم قال:
-هل هذا واضح جدا؟ لقد مرضت بالحمى سأحاول أن أجلس بعيدا حتى لا أعديك
-لا!! لاداعي هل ذهبت الى طبيب ؟ هل تأخذ الدواء بإنتظام؟
-أوه!!! لا تقلقي سوف أتحسن , بالمناسبة أحب هذة الرواية قرأتها مرتين
-حقا عما تحكي ؟
-أوه !!!! سوف أحكيها لك لكني سوف أضربك إذا نمت أثناء حديثي فهمت؟
فضحكت وقلت:
-هل هي مملة لهذة الدرجة؟
-لا بل أنا الذي أحكي بطريقة مملة جدا
-هذا غير صحيح...
فألتفت الي و نظر لحظة فشعرت بإحراج و قلت:
-ماذا ؟!!
فابتسم لي ابتسامة رقيقة جدا وقال :
-حسنا اسمعيني جيدا انها تحكي عن ملك يدعى............
تابع
حديثه وكنت أستمع اليه وفي نفس الوقت لا أستمع اليه لم أكن أسمع أي كلمة
مما قال حتى أنني لم ألاحظ عما تتكلم الرواية كنت أحدق به وبطريقة كلامه و
بإبتسامته حركة يده وهو يشرح وشعرت أنه يملك سخصية جذابة جدا و لكني شعرت
بالإحراج كنت أفكر قبل أي كلمة أقولها حتى لا يسئ فهمي أو يأخذ فكرة سيئة
عن شخصيتي و تابعنا حديثنا بعد القصة و فجأة ضحك بشدة واندهشت لذلك فالتفت
الي وقال :
-هل تعلمين ؟ نحن نتحدث منذ ساعة ونصف ولم نعرف حتى أسماء بعضنا .
وظل ناظرا الي فقلت:
-أنت محق.....
ثم فكرت قليلا و هو بقي ناظرا الي فنظرت في الساعة ونهضت قائلة:
-لقد تأخرت ... إستمتعت بالحديث معك , يجب أن أذهب وداعا ...
فنظر الي بإبتسامته الرقيقة المعتادة و قال:
-إنتبهي لنفسك......
مشيت...
مشيت ....مشيت أفكر وأفكر هل أسير في هذا الطريق أم لا ؟ لماذا إعتدت عليه
بهذة السرعة ؟هل أرتكب خطأ ما ؟ ولماذا أفكر فيه؟و لماذا ينظر الي هكذا ؟
لماذا إبتسامته الرقيقة ؟لماذا؟...لماذا؟ , فقررت ألا أذهب الى المكتبة
لبضعة أيام
كنت سارحة أفكر في حديثه لي بينما قاطع تفكيري مناداة لأخي لي فقلت :
-هل قلت شيئا؟!
-جمانة ماذا بك ؟ ظننت أن الموضوع سيهمك كثيرا ..
-موضوع؟!!! أي موضوع ؟!!!!
-أوه
!! بيدو أنك كنت في عالم آخر... أقول أن لوحاتك التي رسمتها مؤخرا جميلة
جدا وهناك أحد أصدقائي سيقيم معرضا للوحات وأريدك أن تبيعيها هناك أليست
فكرة جيدة؟
فكرت
في كلام أخي و قلت في بالي أنا أكره أن أبيع لوحاتي وخصوصا لوحتي الأخيرة
منظر الغروب الرائع الذي أرسمه عشرات المرات ولكني أعلنت موافقتي . وجاء
يوم المعرض وكان الناس كثيرين وكنت أشعر بالنشوى كلما رأيت أحد يقترب من
لوحتي و كان هذا بمثابة انتصار لي ثم ذهبت الي مكان لوحتي المفضلة لوحة
الغروب الرائع فوجدت شابا يبدو ظهره مألوف لي و كان يحدق باللوحة فقلت:
-هل أعجبتك؟!!
فإلتفت الي و اتسعت عيناي و دق قلبي فإذ1 بي أجد الشاب الذي أقابله في المكتبة وهو أندهش كثيرا وابتسم ابتسامة سعادة طاغية وقال :
-ياه أنت آخر من تخيلت أن أراه هنا , كيف أنت؟
-بخير يبدو لي أنك تحسنت
فاتسعت ابتسامته و قال:
-أوه هل مازلت تذكرين ؟ لقد شفيت شكرا لك على قلقك علي
فتوترت ثم قلت :
-لا بأس , لم تقل لي رأيك في لوحتي ....
فنظر الي مندهش وقال :
-لوحتك ؟! هل رسمت تلك اللوحة ؟
فهززت رأسي بعبارة نعم فأعاد النظر اليها وقال:
-إنها مذهلة !! لم أعلم أن لك هذة الموهبة . هل يمكن أن أشريها ؟
فقلت له ضاحكة :
-نعم ولكن لن أرحمك إنها بمليون و لن أقلل عن ذلك.
فضحك وقال لي :
-أنا أتكلم بجدية أريد شراءها
-إنها بمئتين و خمسون درهم
فأخرج محفظته و أعطاني المال فأعدت له خمسون فنظر الي فقلت :
-هذا الخصم من أجلك ......
فابتسم وقال لي :
- بالمنايبة أنا اسمي شريف عبد العزيز ..... هل يمكن أن أعرف اسم الفنانة التي رسمت هذة اللوحة
فابتسمت ابتسامة احراج وقلت :
-اسمي جمانة عادل ...
فنظر الي تلك النظرة الهادئة المليئة بالمشاعر وقال:
-جمانة !! أنه حقا اسم يليق بك .
فنظرت الي الأرض نظرة احراج و تابع كلامه :
-متى ستأتين الى المكتبة ؟
-لا أعلم ........ ربما يوم الخميس
-حسنا نلتقي يوم الخميس
ثم بدأت في إجراءات شراء اللوحة و رأته جيهان وأخبرتها أنه هو فقالت :
-إنه فعلا وسيم و لكن هل تعرفين أي شئ عنه غير اسمه؟!
فقلت لها مندهشة :
-لا لم أسأله عن أي شئ
جلست في غرفتي وأنا أتخيله ينظر الى لوحتي ويفكر بي كما أفكر به أعجبني اسم شريف و شعرت أنه لائق عليه وخلدت الى النوم
جاء
يوم الخميس المنتظر ارتديت أفضل ما عندي , دخلت الى المكتبة , ذهبت الى
مكان المطالعة فوجدته جالسا و يضع كتابا على الكرسي الذي بجانبه فذهبت
اليه القيت عليه تحية سريعة وهمت بالإستمرار بالمشي و لكنه نهض و ناداني
فاقتربت منه وقلت له :
-هل هناك شئ؟
-لقد حجزت لك مكانا وأخترت كتابا لك , سوف يعجبك كثيرا .
فشعرت
بالاحراج ولم أدري ماذا يجب أن أفعل ثم جلست بعد الحاح منه و شعرت
بالإحراج الشديد و فتح الكتاب أمامي وظل يتكلم ويتكلم و لكن أنا لم أسمع
شيئا ظللت أحدق بالناس حولي ورأيت المرأه التي تجلس أمامنا تحدق بي فازداد
احراجي أكثر ثم قاطعت كلامه و قلت:
-أعذرني تذكرت موعدا هاما و يجب أن أذهب
فحدق بي متسائلا وقال :
-هل ستأتين غدا ؟
فقلت مسرعة:
- أوه!!! نعم
-سوف أنتظرك إذن ....
لم
أشعر بمثل تلك الحيرة من قبل فلطالما كانت تقول والدتي عني أني ساذجة و
أجهل كيفية التعامل مع المواقف و شعرت أني ارتكبت خطأ ما فكرت وفكرت و
قررت ألا أذهب الى المكتبة غدا.
جلست
طوال اليوم التالي أرسم و لكن كان أدائي سيئل للغاية و شعرت أني عاجزة عن
الرسم ثم فكرت لسلعات وشعرت أنني ربما أكون قد أخطأت في حقه فهو يعاملني
جيدا و يبدو لطيفا معي بالإضافة الى أنه جذاب و قلت ألا أتعامل بحذر معه
كما أفعل مع بقية الشبان و أطلق العنان لمشاعري قليلا .
ذهبت
الى المكتبة فرأيته ورآني فنظر الي نظرة بائسة ثم ذهب فشعرت أنه غضب مني
فجلست على طاوله أخرى غير التي جلس عليها وكان ينظر الي ثم يسرع الكتاب
عندما ألاحظه كان مترددا وفي نفس الوقت غاضبا فنهضت لأحضر كتابا ثم وجدت
مكانا فارغا الى جانبه فجلست ونظرت الى يده فوجدته يمسك بميدالية جميلة
على شكل حصان ذهبي جميل للغاية ففكرت أنها طريقة جيدة لإفتتاح الكلام فقلت
:
-ماهذة الميدالية الجميلة ؟!!
فأمسكها بيده الاخرى و فك منها مفاتيحه وقال :
-إنها لك ولا تناقشيني في هذا الأمر ...
فحدقت به وقلت له متعثرة :
-ماذا تقول ؟ لم أقصد هذا أبدا......فقط أردت أن ..
فقاطعني قائلا :
-لا تتكلمي أنا مصر ستأخذيها يعني ستأخذيها.
فابتسمت
له و أخذتها و شكرته ثم بدأنا حديثنا بشكل طبيعي و كأن شيئا لم يكن . لا
أدري لماذا شعرت بالحزن عندما غضب مني مع أني كنت أريد أن أقلل من نطاق
علاقتنا نوعا ما لا أدري أشعر بالتردد و الحيرة حياله ولكن تتضارب آراء
عقلي وقلبي معا ولا أدري في أي طريق أسير أو ماذا علي أن أفعل .
سألني
حول عملي وهوايتي و أسرتي و بدأت صداقتنا الحميمة و كذلك سألته عن عمله
فأخبرني أنه يعمل في ادارة شركة والده الراحل وليس لديه أخوان رجال و إنما
له أخت صغيرة و لاحظت من كلامه أنه يحب أسرته كثيرا و يمثل الأب الحنون
بالنسبة لهم و أن هوايته الأساسية هي القراءة فشعرت بانجذاب له أكثر فأنا
أحب الرجل الحنون جدا و حقيقة أتمنى أن أتزوج من رجل حنون ذو أخلاق عالية
و تدين مثله حتى أنه لا يخرج عن حدوده في حديثه معي ولا يستغل كوني أتكلم
معه بل يكلمني بإحترام وأدب مع اهتتمام ملحوظ فشعرت شيئا فشيئا أنه يأسر
تفكيري وعقلي و أغلب الأوقات وكل مرة أدخل فيها المكتبة أشعر أن قلبي يكاد
يحطم ضلوعي و هو ينبض بكل ما لديه من قوة و أشعر باضراب في معدتي كامل
رأيته يقترب نحوي حتى أني أصبحت أتحدث مع جيهان عنه كثيرا حتى لاحظت
اهتمامي به ثم وجدتها تطبخ أصناف من الأطعمة و طبعا ساعدتها وتوجهت اليها
بالسؤال :
-لماذا كل هذا ؟ هل لدينا ضيوف اليوم ؟
-ألم أقل لك ؟ لقد نسيت !! صديق ماجد قادم ليأكل عندنا فهو قد سافر مع ماجد للعمل هنا و هو يزورنا بين الحين والآخر .
لم
أكترث لكلامها و انخرطت في التفكير في شريف لأني لم أره منذ يومين بسبب
انشغالي برسم احدى لوحاتي ثم جهزنا المائدة و أرتديت ملابسي و جملت نفسي
ثم سمعت صوت أخي وصوت رجل آخر فخرجت لأحييه فوجدت شاب جيد الملامح ولكنه
يبدو مألوف بالنسبة لي وعندما نظر الي تهللت أساريره و حياني بشده و
عاملني بمنتهى الذوق فقال لي ماجد :
-هاه !! هل تذكرت رمزي صديقي الذي كان يزورني في مصر ؟!
فنظرت الى ماجد مندهشة ونظرت اليه ولكني لم أتذكره فقلت محاولة اخفاء مشاعري :
-أوه !! طبعا أذكره و من ينسى رمزي .
ففرح رمزي أكثر وقال :
-وأنا أذكرك جيدا جدا لطالما كنت لطيفة معي حتى أني كنت أحب العصير الذي تحضرينه لي .
فاندهشت أكثر وقلت في نفسي معقول كل هذا ولا أذكره لقد زارنا الكثير من أصدقاء ماجد و لا أذكر من يكون من بينهم .
لاحظت
خلال العشاء كيف كان يتكلم بطريقة لطيفة و كان يوجه الكلام لي كثيرا و
يحاول أن يظر ذوقه الرفيع و لطفه وأهتمامه بي ولكني لم أفهم و قلت ربما
لأني أخت صديقه العزيز . بعد أن غادر وجدت جيهان وماجد يتحدثان عنه و
يخرجون في محاسنه الظاهرة و الغير ظاهرة و فجأة سألتني جيهان :
-ما رأيك به ؟
-ماذا تقصدين ؟!
فابتسمت و بعد أن ذهب ماجد قالت :
-رمزي
شاب جيد جدا ألا ترين أنه يجب أن تعيريه بعض الاهتمام فهو من عائلة جيدة
جدا و ماجد نفسه يرشحه لك وهو يعمل في أحد البنوك عملا مرموقا ومرتبه
ممتاز و ربما يكون من نصيبك .
-فإنتابتني نوبة من الضحك بالهستيري و قلت لها : ما الذي تتكلمين عنه لم أشعر نحوه بأي شئ
ثم استلقيت على سريري وقلت ماذا يجب أن أفعل اللآن وأنا أشعر أن براعم حبي بدأت تكبر و تنمو ..................
أتمنى تكون عجبتكم أتمنى أجد ردودكم الجميلة وتعلقاتكم على أحداث القصة