]
أمسكت بالشيلة وحاولت أن تلفها على رأسها .. تقدمت بخطوات حذرة ، وقفت أمام المرآة .. تحسستها بيدها وأطلقت ضحكة تخللها انهمار دموع ساخنة على خدها ، دخلت أختها إلى الغرفة بعجلة: ريم هيا .. سنتأخر .. ستدخل العروس ونحن ما زلنا هنا .. ابتسمت ريم: أنا جاهزة أختي العزيزة .. أريدك أن تضبطين الشيلة حيث أنني أشعر أنها غير مرتبة. ردت أختها: لا بالعكس تبدوا ممتازة .. هيا سنتأخر ..
شعرت بألم الحرمان يتعاظم، وكأن لسان حال أختها يقول: وما يهمك أنت، فالكل يعرف أنك عمياء ولن يهتم إن كانت شيلتك مضبوطة أم لا .. شعرت بألم الاحتياج إلى شخص أخر ، بالعجز عن أبسط حق وهو رؤية نفسها في المرآة .. أخفت أحزانها وتبعت أختها وهي تقودها إلى السيارة ..
قامت أحلام أخت ريم بتشغيل المسجل عند دخولها السيارة، تضايقت ريم، فقد أرادت أن تسمع أصوات السيارات و ضوضاء المدينة ، هذا الصوت الذي كانت تنزعج منه سابقاً أصبح النافذة الوحيدة التي تستطيع من خلالها تخيل ما يمكن أن يكون المنظر من حولها، أصبحت أذناها تقوم مقام عيناها.
سمعت صوت مكابح السيارة تقف بسرعة، أحلام وسرعتها الجنونية، دائماً تحذرها من الوقوع في حادث لا سمح الله، عادت إلى سنة مضت وكيف كانت مثل أحلام، تسابق البرق في قيادتها، تندم على كل منظر جميل مرت عليه ولم تقف لتتأمله، فها هي الآن تتوق نفسها إلى رؤية اللون الأخضر، أو الصحراء أو أي منظر أخر ..
أفاقت وصوت أحلام يهزها: ريم هيا أمسكي بيدي .. لا نريد أن نتأخر
دخلوا إلى قاعة العرس، شعرت بحرارة في المكان وصوت الموسيقى الراقصة يهز أرجاء القاعة، تمسك أحلام يدها بقوة، تشعر بها تمشي بتبختر وكأنها تتعمد جذب الانتباه، تسلم على خالة سلمى وخالة شيخة .. ومن ثم على خالة مريم وخالة فاطمة ، كلهن يؤكدن على قمة جمال أحلام و من ثم ينهين حديثهن بمدح ثوب ريم وكأنهن يقلن بطريقة أخرى: لا عليك تبدين جميلة وأنت عمياء!
تصر ريم أن تقابل الجميع بابتسامة ، تريد أن تقول لهم أنها راضية بقدرها وسعيدة به، ولكنها تتقطع ألماً كلما مرت إحدى النساء لتسألها: أتعرفينني؟ أنا أم فلانة .. كيف لا أعرفك ونبرة صوتك الرنانة تملأ أرجاء المكان ، لماذا يذكرنها بقصورها، لماذا تقول نبرة صوتهم: مسكييييييينة .. كم تكره هذه الكلمة وكم تطعنها نبرة الصوت تلك!
تقودهااحلام إلى طاولة بجانب سماعات المسجل، كم هي المرات عديدة تلك التي ترجت ريم أختها أن تبعدها عن المسجل ، احلام لا تبالي ، فصديقات العمر جالسات على تلك الطاولة ، هن الأهم . حاولت ريم أن تبلع غيضها وألمها وأن تشارك أحدهم الحديث، ولكن تشعر وأن الجميع يعطونها ظهورهن ، لا تراهن ولكنها تعلم أن هذا ما يحدث عادة ، حاولت أن تلهي نفسها بسماع الأغاني، ولكنها سخيفة لا معنى لها .. أه ونص ، ومعجبة مغرمة (طب ما تحبي وأنا مالي؟؟ ) ، تمنت لو عادت إلى غرفتها و استمعت إلى أشعار حامد زيد أو أسير الشوق ، على الأقل تعيشها تلك الأشعار رومانسية تحلم بها.
ولكنها تذكرت، لا لن أترك الابتسامة، لست هنا للتمتع بصرخات المغنيات و دق الطبول، هي هنا لتبتسم، لتقول للجميع أنها بخير وأنها لن تدفن وجهها في التراب حتى وإن كان حضورها يعتبر دفن لنفسها السعيدة.
شعرت بيد حانية تربت على كتفها الأيمن، عادة تمقت الأيادي الحانية فهي تحمل بين طياتها شفقة وأسى لا تحبهما، لكن كان لهذه اليد معنى أخر ، كانت تقول أنا أفهم و أنا أقدر مقدار الألم الذي تمرين به ، وجهت رأسها تجاه اليد .. إبتسمت وسألت : من؟ رد عليها صوت أحن: أنا شمس ، قريبة والدتك .. تذكر شمس عندما كانت صغيرة وقبل الحادث بأعوام عديدة، تصغرها بثلاثة أعوام ، كانت طفلة تملأ المكان حياة كلما دخلت ، تذكرها بتفاصبل وجهها الجميلة ، ردت ريم: أذكر شمس الصغيرة ما شاء الله كبرت
شمس: أوه نعم كبرت .. وصرت "حرمة" .. ضحكتا ضحكة صافية ولأول مرة منذ دخلت القاعة شعرت أنها تقضي وقتاً ممتعاً ، ولكنها فجأة تذكرت .. وعرفت لماذا تحنو عليها شمس ، لماذا كلمتها شمس ، لدى شمس أخت تعاني من متلازمة داون، أخت معاقة ، تشعر شمس أن يد حنية تعني الكثير لمن يحتاجها، تضايقت ريم، لاتريد يد تحنو عن شفقة، لا تريد يد تحنو لتقول أعلم مدى تعاستك ، تريد يداً تقول لها مرحباً بك كإنسانة. إستأذنت ريم بأدب وطلبت من أحلام أن تأخذها إلى طاولة أمها.
لم تجد كرسياُ بقرب أمها فأخبرتها أحلام أن هناك كرسي في نفس الطاولة فوافقت على الجلوس عليه، جلست ، بعد أن فقدت بصرها طورت حاسة سمعها وأصبحت تسمع ما يتهامس به الناس، سمعت المرأة التي بجانبها تهمس لجارتها: من هذه الجميلة الجالسة في طاولتنا؟ ، ردت جارتها: لا أعلم ولكنها تشبه آل راشد ، قد تكون منهم ، إبتسمت ريم وهي فخورة بسماتها التي تشبه أباها بشدة ، أكملت المرأة: رجاءً إسألي لي ، فإبني يبحث عن زوجة وإن كانت بهذا الجمال ومن آل راشد فنعم الزوجة ، صعقت ، لأول مرة تشعر أنها مثل البنات، لأول مرة تشعر أن هناك أمل ولو أنها على يقين أن المرأة إن علمت بعماها ستغير رأيها، ولكن الشعور بأنها مرغوبة ولو شكلياً أشعل فيها أملاً جديد أً ، أشعرها بأن للحياة نور!
قامت من مقعدها ، وبثقة توجهت للطاولة السابقة وحدها ، ووقفت تصفق مع البنات.
شعرت بألم الحرمان يتعاظم، وكأن لسان حال أختها يقول: وما يهمك أنت، فالكل يعرف أنك عمياء ولن يهتم إن كانت شيلتك مضبوطة أم لا .. شعرت بألم الاحتياج إلى شخص أخر ، بالعجز عن أبسط حق وهو رؤية نفسها في المرآة .. أخفت أحزانها وتبعت أختها وهي تقودها إلى السيارة ..
قامت أحلام أخت ريم بتشغيل المسجل عند دخولها السيارة، تضايقت ريم، فقد أرادت أن تسمع أصوات السيارات و ضوضاء المدينة ، هذا الصوت الذي كانت تنزعج منه سابقاً أصبح النافذة الوحيدة التي تستطيع من خلالها تخيل ما يمكن أن يكون المنظر من حولها، أصبحت أذناها تقوم مقام عيناها.
سمعت صوت مكابح السيارة تقف بسرعة، أحلام وسرعتها الجنونية، دائماً تحذرها من الوقوع في حادث لا سمح الله، عادت إلى سنة مضت وكيف كانت مثل أحلام، تسابق البرق في قيادتها، تندم على كل منظر جميل مرت عليه ولم تقف لتتأمله، فها هي الآن تتوق نفسها إلى رؤية اللون الأخضر، أو الصحراء أو أي منظر أخر ..
أفاقت وصوت أحلام يهزها: ريم هيا أمسكي بيدي .. لا نريد أن نتأخر
دخلوا إلى قاعة العرس، شعرت بحرارة في المكان وصوت الموسيقى الراقصة يهز أرجاء القاعة، تمسك أحلام يدها بقوة، تشعر بها تمشي بتبختر وكأنها تتعمد جذب الانتباه، تسلم على خالة سلمى وخالة شيخة .. ومن ثم على خالة مريم وخالة فاطمة ، كلهن يؤكدن على قمة جمال أحلام و من ثم ينهين حديثهن بمدح ثوب ريم وكأنهن يقلن بطريقة أخرى: لا عليك تبدين جميلة وأنت عمياء!
تصر ريم أن تقابل الجميع بابتسامة ، تريد أن تقول لهم أنها راضية بقدرها وسعيدة به، ولكنها تتقطع ألماً كلما مرت إحدى النساء لتسألها: أتعرفينني؟ أنا أم فلانة .. كيف لا أعرفك ونبرة صوتك الرنانة تملأ أرجاء المكان ، لماذا يذكرنها بقصورها، لماذا تقول نبرة صوتهم: مسكييييييينة .. كم تكره هذه الكلمة وكم تطعنها نبرة الصوت تلك!
تقودهااحلام إلى طاولة بجانب سماعات المسجل، كم هي المرات عديدة تلك التي ترجت ريم أختها أن تبعدها عن المسجل ، احلام لا تبالي ، فصديقات العمر جالسات على تلك الطاولة ، هن الأهم . حاولت ريم أن تبلع غيضها وألمها وأن تشارك أحدهم الحديث، ولكن تشعر وأن الجميع يعطونها ظهورهن ، لا تراهن ولكنها تعلم أن هذا ما يحدث عادة ، حاولت أن تلهي نفسها بسماع الأغاني، ولكنها سخيفة لا معنى لها .. أه ونص ، ومعجبة مغرمة (طب ما تحبي وأنا مالي؟؟ ) ، تمنت لو عادت إلى غرفتها و استمعت إلى أشعار حامد زيد أو أسير الشوق ، على الأقل تعيشها تلك الأشعار رومانسية تحلم بها.
ولكنها تذكرت، لا لن أترك الابتسامة، لست هنا للتمتع بصرخات المغنيات و دق الطبول، هي هنا لتبتسم، لتقول للجميع أنها بخير وأنها لن تدفن وجهها في التراب حتى وإن كان حضورها يعتبر دفن لنفسها السعيدة.
شعرت بيد حانية تربت على كتفها الأيمن، عادة تمقت الأيادي الحانية فهي تحمل بين طياتها شفقة وأسى لا تحبهما، لكن كان لهذه اليد معنى أخر ، كانت تقول أنا أفهم و أنا أقدر مقدار الألم الذي تمرين به ، وجهت رأسها تجاه اليد .. إبتسمت وسألت : من؟ رد عليها صوت أحن: أنا شمس ، قريبة والدتك .. تذكر شمس عندما كانت صغيرة وقبل الحادث بأعوام عديدة، تصغرها بثلاثة أعوام ، كانت طفلة تملأ المكان حياة كلما دخلت ، تذكرها بتفاصبل وجهها الجميلة ، ردت ريم: أذكر شمس الصغيرة ما شاء الله كبرت
شمس: أوه نعم كبرت .. وصرت "حرمة" .. ضحكتا ضحكة صافية ولأول مرة منذ دخلت القاعة شعرت أنها تقضي وقتاً ممتعاً ، ولكنها فجأة تذكرت .. وعرفت لماذا تحنو عليها شمس ، لماذا كلمتها شمس ، لدى شمس أخت تعاني من متلازمة داون، أخت معاقة ، تشعر شمس أن يد حنية تعني الكثير لمن يحتاجها، تضايقت ريم، لاتريد يد تحنو عن شفقة، لا تريد يد تحنو لتقول أعلم مدى تعاستك ، تريد يداً تقول لها مرحباً بك كإنسانة. إستأذنت ريم بأدب وطلبت من أحلام أن تأخذها إلى طاولة أمها.
لم تجد كرسياُ بقرب أمها فأخبرتها أحلام أن هناك كرسي في نفس الطاولة فوافقت على الجلوس عليه، جلست ، بعد أن فقدت بصرها طورت حاسة سمعها وأصبحت تسمع ما يتهامس به الناس، سمعت المرأة التي بجانبها تهمس لجارتها: من هذه الجميلة الجالسة في طاولتنا؟ ، ردت جارتها: لا أعلم ولكنها تشبه آل راشد ، قد تكون منهم ، إبتسمت ريم وهي فخورة بسماتها التي تشبه أباها بشدة ، أكملت المرأة: رجاءً إسألي لي ، فإبني يبحث عن زوجة وإن كانت بهذا الجمال ومن آل راشد فنعم الزوجة ، صعقت ، لأول مرة تشعر أنها مثل البنات، لأول مرة تشعر أن هناك أمل ولو أنها على يقين أن المرأة إن علمت بعماها ستغير رأيها، ولكن الشعور بأنها مرغوبة ولو شكلياً أشعل فيها أملاً جديد أً ، أشعرها بأن للحياة نور!
قامت من مقعدها ، وبثقة توجهت للطاولة السابقة وحدها ، ووقفت تصفق مع البنات.